خارجية

كيف تحولت فنزويلا من أغنى دولة في أمريكا الجنوبية إلى المجاعة؟!

بحسب منظمة الأوبك، فإن إنتاج النفط يشكل نحو 98 في المئة من عائدتها بالإضافة إلى كونها غنية بموارد طبيعية مثل الغاز وخام الحديد والذهب ومعادن أخرى.
وبالرغم من كل هذا، فقد تراجع الإنتاج النفطي الفنزويلي بشكل ملحوظ، خلال السنوات الماضية، إذ بلغ أقل بكثير من 1.4 مليون برملين في اليوم، مقارنة مع 3.2 ملايين برميل قبل 10 أعوام.
وإلى جانب النفط، كانت فنزويلا تصدر المنتجات الصناعية الثقيلة مثل الصلب والألمنيوم والإسمنت، إضافة إلى الصناعات الإلكترونية والمواد الغذائية، مثل الأرز والأسماك والفواكه الاستوائية.
كل هذه المزايا الاقتصادية لم تشفع لفنزويلا لتقف بجانب أكبر اقتصادات العالم، فحكمت على نفسها ومواطنيها بالفشل والانكسار.
ولم تأت الأزمة التي تتخبط فيها فنزويلا اليوم من فراغ، بل عقبت سلسلة من النكسات، جعلت البلد الذي يتمتع بأكبر احتياطي للنفط في العالم، من أفقر الدول.
وتشير احصائيات من الأمم المتحدة أن حوالي 3,2 مليون فنزويلي غادروا بلادهم خلال السنوات القليلة الأخيرة، هربا من البؤس والفقر.

أسباب الأزمة

تمر فنزويلا بأسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية في تاريخها الحديث بسبب تراجع أسعار النفط. وتسبب هذا التراجع في انعدام أدنى مقومات الحياة لملايين الفنزوليين الذين هجروا البلاد بحثا عن لقمة العيش.
وتأتي بدايات الأزمة عندما حدثت الأزمة المالية العالمية عام 2008، في حقبة هوغو تشافيز رئيس فنزويلا الراحل، وقرر المستثمرون اللجوء للأسواق الأكثر استقرارا بعيدا عن الاقتصادات الكبرى التي تتلاطم فيها أمواج الأزمة؛ كانت وجهتهم هي الاقتصادات النامية والناشئة ومنها بلدان أميركا اللاتينية، إذ نزحت نحو 150 مليار دولار ناحية تلك البلدان عام 2011، وهي أموال التهمت البرازيل أقل من نصفها بقليل، وتلقى جيران فنزويلا نصيبهم أيضا مثل كولومبيا بنحو 13 مليار دولار، بينما لم تتحرك شهية الاقتصاد الفنزويلي إلا لخمسة مليارات دولار فقط. ولم يتوقف الأمر عند هروب وعزوف الاستثمارات الأجنبية فحسب، وإنما بدأت الشركات المحلية في الخروج أيضا لتجنب نزع الملكية وخوفا من المستقبل الاقتصادي الفنزويلي الملبد بالغيوم.
ويشهد الاقتصاد الفنزويلي سقوطا حرا منذ تولي “مادورو” السلطة عام 2013 بعد وفاة تشافيز، حيث تقلص حجم الاقتصاد الكلي بنسبة أكبر من 18% في عام 2016، وكان حجمه أصغر في العام الماضي بنسبة 35% عما كان عليه عام 2013، وانخفضت إنتاجية الفرد بمعدل اقترب من النصف، أي إنه وبشكل فعلي أسوأ من اقتصاد سوريا، بينما يصنف الاقتصاد الفنزويلي بأنه ضمن اقتصادات قليلة شهدت أعنف حالات تضخم أو ارتفاع مستوى أسعار في التاريخ.
حاول مادورو تكرار قواعد اللعبة التي كان يسير بها سلفه، إلا أنه فشل فشلا كبيرا ويرجع مراقبون هذا الفشل إلى سببين، الأول هو شخصية تشافيز الشعبوية والذي يفتقدها مادورو، والثاني متعلق بالطفرة النفطية التي لم يسبق لها مثيل، فرغم تراجع إنتاج النفط في فنزويلا بفعل عملية إحلال العمال المهرة بالمقربين الأقل معرفة، فإن أسعار النفط كانت حليفة لتشافيز بشكل كبير، فشهدت فترة ولايته ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط العالمية منحت نظام الرئيس التاريخي نحو تريليون دولار تم ضخها في خزينة الدولة.
على نقيض ما سبق، لم يتمتع “مادورو” أبدا بالكاريزما التشافيزية إن جاز القول، علاوة على انهيار أسعار النفط نهاية عام 2014 أي بعد تولي مادورو الحكم بعام واحد.
وبدلا من قيامه بإصلاحات حقيقية، كمحاولة تنويع اقتصاد بلاده والاستثمار في الإنتاج المحلي، أو حتى الاعتناء بدرة الاقتصاد الفنزويلي “بدفسا” وتطويرها، فقد لجأ “مادورو” إلى أحد أسوأ الحلول الاقتصادية على الإطلاق، وعوضا عن معالجة نقص عائدات النفط، فقد ذهب إلى مصدر آخر أسهل للأموال وهو طباعتها بشكل كثيف وبلا غطاء نقدي حقيقي، بينما تم تخصيص العوائد الدولارية البسيطة، القادمة من الإنتاج الضئيل؛ للإنفاق على الدوائر السياسية والعسكرية والقضائية التي تضمن بقاءه في السلطة، وعلى نمط معيشته المرفه، تاركا العملة المحلية للشعب مغرقا بها الأسواق، حتى ظهر ذلك التضخم الجامح.
نتيجة لذلك، تضطر الحكومة لطباعة المزيد من الأموال في محاولة لتحقيق الاستقرار في الأسعار وتوفير السيولة ما يؤدي إلى مزيد من تفاقم المشكلة(18)، وهو ما يحدث في فنزويلا، حيث تعمل ماكينات طباعة البوليفار على أشدها، ويستمر “مادورو” في الإنفاق والتخفيض التاريخي في قيمة العملة، حتى أصبح ورق التواليت أكثر قيمة بشكل فعلي من أوراق البوليفار، للدرجة التي دفعت بعض الفنزويليين إلى صنع حقائب يد من أوراق العملة المنهارة وبيعها على الحدود الكولومبية، حيث يضيف عملهم قيمة أكبر من البوليفار المستهلك في صنع الحقيبة.
في شهر مايو الماضي اتهمت واشنطن بشكل رسمي “مادورو”، و”ديوسدادو كابيلو” المسؤول الثاني في الحزب الحاكم، بالتربح من شحن مخدرات غير قانونية، وهي
المرة الأولى التي تربط فيها واشنطن بين مادورو وتجارة المخدرات، وقالت وزارة الخزانة الأميركية في بيانها إن كابيلو استولى على كميات مخدرات من تجار صغار وقام بجمعها وتصديرها من خلال مطار مملوك للحكومة الفنزويلية، وتم تقسيم العائدات من هذه الشحنات بين كابيلو والرئيس مادورو وآخرين، وفرضت وزارة الخزانة عقوبات عليهم جميعا، بما في ذلك زوجة كابيلو التي ترأس المعهد الوطني للسياحة في البلاد.
ومنذ أيام قليلة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على صادرات فنزويلا من الذهب، وحظرت تعامل المواطنين الأميركيين مع الشخصيات والمؤسسات المتورطة في مبيعات الذهب “الفاسدة أو المخادعة” من فنزويلا حد تعبير الأميركيين، عقوبات كان على إثرها أن أرسلت فنزويلا إلى بنك إنجلترا تطلب إعادة احتياطاتها من الذهب البالغة نحو 15 طنا تبلغ قيمتها 550 مليون دولار كانت قد احتفظت بها سابقا في خزائن البنك.
مددت أوروبا العقوبات على فنزويلا لعام كامل، وهي عقوبات تتضمن حظرا على مبيعات الأسلحة ومعدات تستخدم في القمع الحكومي الداخلي، مع تمديد حظر السفر وتجميد أصول 18 مسؤولا فنزويليا بسبب “انتهاكات حقوق الإنسان وتقويض الديمقراطية وحكم القانون”.

التحول

العوامل الاقتصادية الخارجية يمكن أن تسبب انهيارا اقتصاديا داخليا، فانخفاض أسعار النفط بشكل حاد أواخر عام 2014 أدى إلى تعجيل الانهيار الاقتصادي في فنزويلا، ويمكن أن يتم إخفاء الفشل الاقتصادي وراء الإحصائيات غير المحايدة وعن طريق وسائل الإعلام التابعة للنظام الحاكم
كما حدث في عهد تشافيز حينما تم تقديم بعض العوامل التي ساهمت في الانهيار الاقتصادي على أنها مزايا، فحينما وصل إلى السلطة، وعد الناس بأن سياساته الاشتراكية ستخرجهم من الفقر وتحفز إنفاق المستهلكين
إلا أن الحكومات والأنظمة لا تذهب بمجرد انهيار اقتصاد بلدانها على الأرجح، فرغم الإخفاق الفنزويلي الحالي تحت ظل مادورو، فإنه ما زال يسوّق أن ما يحدث هو مجرد مؤامرة خارجية من قِبل الولايات المتحدة وكولومبيا بالتعاون مع رجال أعمال في الداخل يقومون باحتكار السلع والمضاربة على البوليفار، وأن القادم أفضل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق