محليات

#جورج_بوش_الأب قائد حرب تحرير الكويت

حين غزا صدام حسين الكويت في الثاني من أغسطس 1990 أكد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب بكل حزم أن «هذا العدوان لن يصمد»، وقاد حملة دبلوماسية وعسكرية غير مسبوقة، أسفرت عن تحرير الكويت.
وأعلن بعد انتهاء الحرب «ولادة النظام العالمي الجديد»، ورأى ان التدخّل في الشرق الأوسط ينذر بفوضى مقبلة.
وكما قال جون سنونو، كبير موظفي البيت الأبيض في عهد بوش، في كتابه «الرجل الهادئ»، فإن «العالم يتذكر بوش الأب بفضل تنسيقه وقيادته الناجحة لواحدة من أضخم الحملات العسكرية، وأكثرها فعالية على مرّ التاريخ».
وقد استقبلت الكويت الرئيس الراحل يوم 14 أبريل 1993، وقال يومها «أشعر بأنني في دياري». وقلّده سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد قلادة مبارك الكبير، تقديراً لما فعل من أجل تحرير الكويت. وعندما توفي «أمير القلوب» قال بوش «إن الأمير الراحل كان صديقاً عظيماً وحليفاً مخلصاً».

ولد جورج بوش الأب في 12 يونيو 1924، بولاية ماساتشوستس، لعائلة ثرية وأب عمل في الحياة السياسة والاقتصادية، وانخرط في الحياة العسكرية وعمره 18 عاماً، في اثناء الحرب العالمية. وفي عام 1942 تم اختياره ليكون طياراً في البحرية الأميركية، ليصبح أصغر طيار التحق بها، ولينضم بعدها الى مجموعة قتالية، طيار قتال خلال عامي 1944 – 1945، ونظراً لأدائه واجبه في الحرب، على أكمل وجه، تم منحه جائزة الطيران الفخري.
بدأت مسيرته السياسية فعلياً عام 1963، حيث انضم الى الحزب الجمهوري، فبعد ذلك تولَّى مناصب داخلية عدة في الحزب، ومناصب أخرى إدارية وسياسية، وبقدرته على الإدارة وتنظيم الحملات والمفاوضات، ادار حملة بهدف حصوله على مقعد بمجلس الشيوخ الأميركي بولاية تكساس عام 1964، لكن المحاولة لم تنجح. وفي عام 1966، نجح في الدخول إلى المجلس، واستمر لولايتين متتاليتين في عضوية مجلس النواب الأميركي، كما ترأس اللجنة الوطنية للحزب في القضية الشهيرة التي عرفت باسم «فضيحة وترجيت».
وتمَّ ترشيحه لمنصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، لقدرته على إدارة العلاقات الخارجية، وتولَّى المنصب في الفترة من 1971 – 1973، كما تم إرساله مبعوثاً دبلوماسياً الى الصين في السبعينات، وفي 1976 تولى ادارة وكالة الاستخبارات الأميركية لمدة عام واحد. وفي 1980 خاض معركة الترشُّح لرئاسة بلاده أمام رونالد ريجان لكنّه خسر، وعينه ريجان نائبًا له خلال الفترة من 1981 الى 1988.

سيد البيت الأبيض
عام 1989 فاز بوش في انتخابات الرئاسة ليكون الرئيس الواحد والاربعين للولايات المتحدة الأميركية. وفي ديسمبر من ذلك العام أصدر أوامره بنزول القوات الأميركية إلى بنما واعتقال رئيسها أنتونيو نوريغا بتهمة المتاجرة في المخدرات. ثم وقع مع الرئيس السوفييتي آنذاك ميخائيل غورباتشوف معاهدة تقضي بإنهاء حالة العداء بين البلدين، اعتبرت نهاية للحرب الباردة وأسهمت في التقليل من أسلحة الدمار الشامل.
وعندما تعرضت الكويت للغزو الغاشم عام 1990، وقف بوش موقفاً حازماً من العدوان، وقام بدور حاسم في تحرير الكويت من الاحتلال عام 1991. وفي عام نفسه، دعا إلى عقد مؤتمر مدريد للسلام، برعاية الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
وقبل انتهاء ولايته أصدر بوش أمراً للقوات الأميركية بالنزول في الصومال، غير أن هذه القوات منيت بخسائر، ما أثر على شعبيته التي كانت قد تراجعت بسبب سياساته الاقتصادية. وخسر معركة الانتخابات الرئاسية عام 1992، أمام بيل كلينتون، واختار التوقف عن العمل السياسي، مكتفيًا بعضويته داخل الحزب الجمهوري.

العمل الخيري
وبعد ان غادر البيت الأبيض، وجّه بوش اهتمامه إلى الأعمال الإنسانية والخيرية. وفي عام 2005، قام بدور كبير في توجيه مساعدات قدرت بأكثر من 100 مليون دولار، لمتضرري إعصار كاترينا، وخلال الفترة من 2010 الى 2013 قدم وزوجته بابرا بوش تبرعات لجمعيات خيرية عديدة في الولايات المتحدة. وتقديراً لمواقفه الإنسانية قام الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بمنحه وسام الحرية الرئاسي عام 2011. وعام 2013 قام بحلق شعر رأسه، تعاطفاً مع طفل صغير، هو نجل أحد حراسه الشخصيين، كان مصاباً بمرض سرطان الدم.
وبالرغم من معاناته الصحية، التي ظهرت منذ عام 2012، عندما أصيب بمرض الالتهاب الرئوي، وبكسر بفقرات العنق، ودخوله المستشفى مرات عدة، في اوقات متقاربة، فإنه احتفل بعيد ميلاده التسعين قفزاً بالمظلة، من طائرته الخاصة.
وأطلق الرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الأب آخر تصريح إعلامي له، عندما أعلن تخليه عن دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، في انتخابات الرئاسة، ونيته التصويت لمصلحة المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون.

الموقف من العدوان
عندما وقع الغزو الصدامي الغاشم لدولة الكويت يوم الخميس 2 اغسطس 1990، أصدر الرئيس بوش تعليماته إلى السفير في الأمم المتحدة توماس بيكرينغ بتنسيق تأييد عالمي لأي خطوة تقدم عليها الولايات المتحدة مع احتفاظ واشنطن بحق التصرف منفردة. وعقد بوش اجتماعاً مع أعضاء مجلس الأمن القومي، ولم تكن قد مضت اثنتا عشرة ساعة على سماعه بأنباء الغزو. وفي نهاية الاجتماع، الذي حضره 29 مسؤولاً من مختلف القطاعات، صرح بوش لوسائل الإعلام بأن الولايات المتحدة دعت إلى انسحاب فوري وغير مشروط لكل القوات العراقية. وقام باجراء اتصالات مع العديد من زعماء المنطقة والعالم.
وقبيل العاشرة من صباح 2 أغسطس، غادر إلى كولورادو لعقد اجتماع مقرر مع رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر للبحث في الاستراتيجية العسكرية لفترة ما بعد الحرب الباردة، وبعد الاجتماع التقى بوش وثاتشر مندوبي وسائل الإعلام، وللمرة الأولى أشار بوش ولو بشكل ضمني إلى احتمال الخيار العسكري حين رد على سؤال صحافي قائلاً: لا نستبعد أي خيار.. وكرر الجواب مرتين.
ويوم السبت اتصل بوش بالملك فهد بن عبدالعزيز قائلاً إن وفدا اميركيا برئاسة وزير الدفاع في الطريق إلى السعودية، وأضاف «نقطة أخرى أريد توضيحها.. كلمة شرف فأمن المملكة مهم وحيوي جداً بالنسبة لنا، وأنا مصمم على أن صدام لن يحصل على شيء بعمله الشائن، وستغادر قواتنا المملكة عندما تطلبون مغادرتها.. هذا وعد وعهد».

التحالف الدولي
في الثامن من أغسطس وجه بوش كلمة إلى الأميركيين عبر الإذاعة والتلفزيون قال فيها إن طلائع القوات الأميركية وصلت إلى السعودية ضمن عملية «درع الصحراء». واشار الى ان خمساً وثلاثين دولة قد انضمت لتحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة لدحر العدوان.. وبعد ذلك بساعات قليلة وافق مجلس الأمن الدولي على مشروع قرار يتيح استخدام القوة لفرض الحصار على العراق.
وفي الرابع عشر من نوفمبر اجتمع بوش مع زعماء الحزبين في مجلسي الشيوخ والنواب أملاً للتمهيد للحصول على تفويض من الكونغرس يتيح له شن الحرب، فجوبه بمعارضة قوية وقيل له: اعط المقاطعة فرصة.. اعط الحصار الاقتصادي فرصة.. اعط مختلف أنواع العقوبات فرصة قبل الذهاب إلى الحرب.
هنالك راح الرئيس بوش يتساءل بينه وبين نفسه عما سيحصل إذا رفض الكونغرس منحه هذا التفويض، فكان الجواب أنه سوف يمضي في تنفيذ ما يراه مناسباً لأن القوة هي السبيل الوحيد لتحرير الكويت. وفي نيويورك نجح جيمس بيكر في استصدار القرار 678 من مجلس الأمن، الذي يحدد الخامس عشر من يناير 1991 موعداً نهائياً للانسحاب العراقي من الكويت.
وفي الحادي عشر من يناير رأى الرئيس الاميركي أن الوقت مناسب لطلب تفويض من الكونغرس، ففعل وحصل على ما اراد في اليوم التالي. وقد حدد أربعة أهداف تحكم الموقف الأميركي من الغزو العراقي للكويت، هي :
– الانسحاب الفوري وغير المشروط للقوات العراقية من الكويت.
– عودة الحكومة الشرعية في الكويت إلى السلطة.
– ضمان أمن واستقرار منطقة الخليج.
– حماية أرواح الأميركيين في العراق والكويت.
ونتيجة رفض النظام العراقي لجميع المبادرات السلمية، التي دعته للانسحاب من الكويت، وانتهاء المهلة التي حددها مجلس الأمن في قراره الرقم 678، باتت الحرب حتمية.

عاصفة الصحراء
أعلن الرئيس بوش، في خطاب إلى الأمّة، بعد ساعتَين من بدء العمليات العسكرية، مساء 16 يناير 1991 أن الهدف، هو تدمير قدرات العراق النووية والكيماوية ومدفعيته، وتحرير الكويت، وعودة حكومتها الشرعية. وقال إن الجهد الدبلوماسي قد فشل. وإن الحصار الاقتصادي لم ينجح. وإن الخيار الوحيد، صار إخراج صدام حسين بالقوة. وأن الأمل، أن يقنع الشعب العراقي صدام حسين بإلقاء السلاح، ومغادرة الكويت.
وفي الخامسة من صباح الخميس 17 يناير، كان بوش يجلس في غرفة الأخبار والمتابعة في البيت الأبيض ويتلقى الأخبار عن سير العمليات العسكرية على ما يرام. واكدت التقارير العسكرية عن مجريات الغارات الجوية أن مراكز القيادة والشبكات العراقية أصيبت بشلل كامل، وأن طائرات التحالف تسيطر سيطرة كاملة على أجواء الخليج.
ويوم الإثنين 4 فبراير صار بوش مستعداً للحرب البرية.. وفي الثانية من بعد الظهر استمع لتقارير متلاحقة أجمعت على أن الأخبار أكثر من ممتازة، واتفق الجميع على أن الحرب البرية سوف تبدأ خلال عشرة أيام. وقالت رئاسة هيئة الأركان المشتركة إن هجوم قوات التحالف على القوات العراقية سيكون أقوى ثلاث مرات من الهجوم الذي شنه الحلفاء على ساحل النورماندي ضد هتلر أيام الحرب العالمية الثانية.

الحرب البرية
ظهر الجمعة 22 فبراير وجه بوش إنذاراً نهائياً إلى صدام بضرورة الانسحاب الكامل من الكويت قبل ظهر السبت أو مواجهة هجوم بري، فرفض العراق الانصياع. وفي العاشرة من تلك الليلة قال بوش لمن حوله: عملية تحرير الكويت دخلت الآن مرحلتها الأخيرة.. لدي ثقة كاملة بأن قوات التحالف سوف تنجز المهمة بطريقة سريعة وحاسمة.
وتم تحرير الكويت، وقال بوش في خطاب وجهه الى الأمة يوم 27 فبراير 1991 «تحررت الكويت. انهزم الجيش العراقي. تحققت اهدافنا. اصبحت الكويت في ايدي الكويتيين..».

لمسة وفاء كويتي

مرزوق الغانم مع الرئيس بوش في مقر إقامته بمدينة بورتلاند | أرشيفية
في آخر إطلالة له على الرأي العام الكويتي، اللقاء الذي جمعه برئيس مجلس الأمة السيد مرزوق الغانم، الذي قام بتسليمه رسالة سمو الأمير، وكانت وقفة وفاء من الكويت تجاه رجل شجاع، وبدا في حينه (6 أكتوبر 2017) بصحة جيدة رغم تقدمه في السن.

بوش في قلوب الكويتيين

أثناء زيارته الكويت عام 1993
استقبلت الكويت الرئيس جورج بوش (الأب) في الرابع عشر من ابريل 1993، زيارة غير رسمية، وأشاد في تصريح له لدى وصوله، بالانجاز الذي حققته الديموقراطية الكويتية، من خلال اقرار الحقوق السياسية للمرأةِ، وقال ان هذه الحقوق اضفت على الديموقراطية الكويتية مثالا يحتذى في المنطقة. واعرب عن سروره لوجوده في الكويت ولرؤية تطورها الاقتصادي، واضاف «أشعر بأنني اعود إلى دياري».
واقام سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد حفل عشاء على شرف الضيف. ومما جاء في الكلمة التي القاها سموه في الحفل: «صاحب الفخامة، ايها الصديق، لا شك انك ستلمس مشاعر الكويتيين خلال زيارتك اينما ذهبت، ليعبروا لك بكل صدق عن مشاعر نابعة من قلوبهم، فشعبنا لا ينسى من وقف بجانبه ابدا. ويسعدني في هذه المناسبة ان اقلدك باسم شعب الكويت وباسمي ارفع وسام لدينا، قلادة مبارك الكبير، عرفانا وتقديرا لما قمتم به من مجهودات ضخمة في تحرير الكويت، وما قدمتموه من خدمات جليلة للسلام والتفاهم الدولي. ولكن الوسام الحقيقي هو المحبة والمودة الخالصة التي يكنها كل الكويتيين في قلوبهم».
وألقى بوش كلمة عبر فيها عن اعتزازه بالتكريم، رمز الصداقة الدائمة بين الكويتيين والاميركيين. وقال «ان شراكتنا قد برهنت قدرتها على التكيف في وجه الطغيان، ولسوف تستمر في النمو، ترعاها المودة والاعجاب والاحترام المتبادل. ومع ذلك، وعلى الرغم من عمق الرمز لصداقتنا التي تمثل في هذا التكريم بمنحي هذا الوسام الرفيع، ليس هناك رمز اعظم قوة واكثر بشارة لتحالف الشعوب المحبة للسلام من التراب الذي اقف عليه الآن».

جابر.. الصديق العظيم

عندما توفي سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الاحمد وصفه الرئيس جورج بوش الاب «بالصديق العظيم». فقد القى خطابا بث عن طريق الفيديو خلال اجتماع للاتحاد الوطني لطلبة الكويت في الولايات المتحدة، معربا عن تعازيه للكويت حكومة وشعبا، وقال ان الامير الراحل كان صديقا عظيما وحليفا مخلصا. واضاف «سبق لي زيارة الكويت بعد التحرير كما قمت بزيارتها مؤخرا فوجدت فرقا شاسعا. لقد اعاد الكويتيون بناء بلادهم للافضل». ودعا الرئيس بوش طلبة الكويت الى التمسك بقيم الديموقراطية والمساواة والحرية والعدالة، التي تعتبر مفاتيح لبداية جديدة. ومضى قائلا انه بالرغم من ان الكويت حزينة على فقد اميرها الراحل، فان على الكويتيين الوقوف بثبات وثقة في العهد الجديد بقيادة سمو الأمير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق