منوعات

العيد فرصة لتعميق الرابطة الإيمانية

العيد فرصة لتتصافى النفوس، وتتآلف القلوب، وتتوطد الصلات والعلاقات، وتدفن الضغائن والأحقاد، فتوصل الأرحام بعد القطيعة، ويجتمع الأحباب بعد طول غياب، وتتصافح الأفئدة والقلوب قبل الأيدي. ومن المقاصد العظيمة، التي شرعت لأجلها الأعياد في الإسلام، تعميق التلاحم بين أفراد الأمة، وتوثيق الرابطة الإيمانية، وترسيخ الأخوة الدينية بين المسلمين. ومن مقاصد العيد، تغيير نمط الحياة المعتادة، وكسر رتابتها الثابتة، فهو مناسبة للتغيير، وفرصة للترويح، لتستريح بعد التعب، وتفرح بعد الجد والنصب، وتأخذ حظها من الاستجمام، فتعود أكثر عملاً ونشاطاً، ولهذا جاء النهي عن صيام يوم العيد، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر. رواه مسلم وغيره. ومن مقاصد العيد التذكير بحق الضعفاء والعاجزين، ومواساة أهل الفاقة والمحتاجين، وإغناؤهم عن ذل السؤال في هذا اليوم، حتى تشمل الفرحةُ كلَّ بيتٍ، وتعمَّ كل أسرة، ومن أجل ذلك شُرِعت الأضحية وصدقة الفطر. وصلاة العيد من شعائر الإسلام الظاهرة، وقد ارتبطت بعبادتين عظيمتين، وهما عبادة الصيام والحج، حيث يجتمع المسلمون فيها مكبرين مهللين، فرحين بفضل ربهم عليهم، بعد أن تقربوا إليه بأنواع الطاعات والقربات، لينالوا جائزة مولاهم في هذا اليوم العظيم.

آداب
من آداب العيد: الغسل والتطيب ولبس الجميل من الثياب؛ لقول أنس رضي الله عنه: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين أن نلبس أجود ما نجد، وأن نتطيب بأجود ما نجد، وأن نضحي بأثمن ما نجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس بردة حبرة في كل عيد».
< الأكل قبل الخروج إلى صلاة عيد الفطر، والأكل من الأضحية بعد الصلاة في عيد الأضحى؛ لقول بريدة رضي الله عنه: «كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته». < التكبير من ليلتي العيدين، ويستمر في الأضحى إلى آخر أيام التشريق، وفي الفطر إلى أن يخرج الإمام عليهم للصلاة. < الخروج إلى المصلى من طريق والرجوع من أخرى لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك، قال جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق. < أن تصلى في صحراء إلا لضرورة مطر ونحو فتصلى في المساجد؛ لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على صلاتها في الصحراء كما ورد في الصحيح. < التهنئة بقول المسلم لأخيه «تقبل الله منا ومنك»، لما روى أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا إذا التقى بعضهم ببعض يوم العيد قالوا «تقبل الله منا ومنكم». ثواب الصدقة ــ إذا رأيت فقيرا منكسراً ولم تجد ما تقدمه له من مال أو عون، فلا أقل من أن تدعو له بأن يرزقه الله ويغنيه، وما يدريك فقد تكون دعوتك سبباً لسعادته! ــ الصَّدقة من أفضل القُربات، وأجّل العِبادَات.. فكم دفع الله بِها أنوعاً من البَلاءِ.. كالأَمْراضَ والحَوادث، فلا تَحرم نَفسكَ ولو بالقلِيل. ــ الصدقة في أوقات الحاجة الماسة أفضل منها في غيرها، وبعض الناس يحرص على إخراجها في رمضان، وقد تكون أفضل في غير شهر رمضان، فبادر وساهم ولو بالقليل. ــ الصدقة عن الميت تَصل بإذن الله: قال رَجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أُمي ماتت وأظُنها لو تكلمت تصدّقت، فهل لها أجر إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم. متفق عليه. ــ من عظيم فضل الصّدقة أنها قد تكون حصناً لك من النار ومن لَفحِهَا وظِل يوم العرض. قال: كل امرئٍ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس. ــ احْرص يوم الجمعة على الصدقة: لأنه خير يوم طلعت عليه الشمس، قال كعب: الصَّدقَة تُضاعف يوم الجمعة. ــ قال ابن القيم في زاد المعاد: وشَاهدتُ شيخ الإسلام، إذا خرج إلى الجمعة، يأخذ ما وجد في البيت من خبزٍ أو غيره، فيتصدق به سراً! من نوادر التراث ـــ حكي عن ثعلب – أحمد بن يحيى الشيباني الكوفي البغدادي، أحد أئمة النحو واللغة والأدب والحديث الشريف والقراءات، المولود سنة 200، والمتوفى سنة 291 رحمه الله تعالى – أنه كان لا يفارقه كتاب يدرسه، فإذا دعاه رجل إلى دعوة، شرط عليه أن يوسع له مقدار مسورة – هي المتكأ من الجلد – يضع فيها كتابا ويقرأ. وكان سبب وفاته انه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لا يسمع الا بعد تعب، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق فصدمته فرس فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل الى منزله على تلك الحال، وهو يتأوه من رأسه، فمات في اليوم الثاني! ــ كان الجاحظ – عمرو بن بحر الجاحظ ابو عثمان – بحرا من بحور العلم، ورأسا في الكلام والاعتزال واليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة، وكان مشوه الخلق، استدعاه المتوكل لتأديب ولده، فلما رآه رده واجازه! وفلج في آخر عمره، فكان يطلي نصفه بالصندل والكافور لفرط الحرارة، ونصفه الآخر لو قرض بالمقاريض ما احس به لفرط البرودة، وسمي جاحظا لجحوظ عينيه، اي نتوؤهما، وكان موته بسقوط مجلدات العلم عليه! ــ كان الجوهري صاحب «الصحاح» وأحد ائمة اللسان من اعاجيب الزمان، ذكاء وفطنة وعلما، واصله من فاراب من بلاد الترك، وكان إماما في اللغة والادب، وكان يؤثر السفر على الحضر، ويطوف الآفاق. ثم عرض عليه في آخر حياته وسوسة، فانتقل الى الجامع القديم بنيسابور، فصعد سطحه وقال: ايها الناس، اني عملت في الدنيا شيئا لم اسبق اليه، فسأعمل للآخرة امرا لم اسبق اليه، وضم الى جنبيه مصراعي باب، وتأبطهما بحبل، وصعد مكانا عاليا، وزعم انه يطير، فوقع فمات! جوائز عيد الفطر المبارك دعاء اليوم اَللّـهُمَّ اجْعَلْ صِيامى فيهِ بِالشُّكْرِ وَالْقَبُولِ عَلى ما تَرْضاهُ وَيَرْضاهُ الرَّسُولُ، مُحْكَمَةً فُرُوعُهُ بِالاُْصُولِ، بِحَقِّ سَيِّدِنا مُحَمَّد وَآلِهِ الطّاهِرينَ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعالَمينَ. *** في غرة شهر شوال يحل على المسلمين عيد الفطر المبارك ويأتي العيد بعد أداء فريضة فرضها الله على عباده، ألا وهي الصوم، فهناك اقتران بين العيد وبين فريضة الصوم. يأتي العيد تتويجاً لسعي الإنسان نحو مجاهدة النفس وتربيتها وتزكيتها من خلال الصوم، لأنّ الغاية النهائية من الصوم هي التكامل المعنوي والروحي عند الإنسان، والذي ترمز إليه التقوى، التي جعل منها القرآن الكريم غاية الصوم في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 183). فالتقوى تمثّل الإطار الجامع لمنظومة القيم والأخلاق، لأنّه يأتي غاية لجميع مراتب الكمال. وبعد هذه المجاهدة بالصيام والإمساك عن جملة من ملذّات الدنيا مع سائر الأعمال الأخرى الواجبة منها والمُستحبة، يأتي العيد وكأنّه جائزة لتلك المجاهدة كما وصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، أو اليوم الذي توزّع فيه الجوائز، أي الأُجور العظيمة على الصائمين والقائمين، لذا يحقّ للإنسان المؤمن أن يغمره الفرح والسرور ويتبادل الزيارات وصلة الأرحام وإقامة الولائم في العيد، بعد شهر من طاعة الله في صوم رمضان، فالعيد وفرحته مقرونان بطاعة الله واجتناب معاصيه. عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «اليوم لنا عيد، وغداً لنا عيد، وكلّ يوم لا نعصي الله فيه فهو لنا عيد». إنّ يوم العيد يوم فرح وسرور لمن طابت سريرته، وخلصت لله نيّته.. ليس العيد لمن لبس الجديد وتفاخر بالعدد والعديد، إنّما العيد لمَن خاف يوم الوعيد، واتّقى ذا العرش المجيد، وسكب الدمع تائباً رجاء يوم المزيد. بعد أن نفرغ من رمضان، لابدّ من أن نلملم كلّ ما تناثر منه لنجمعه في عقولنا وفي قلوبنا وفي حياتنا، وبعد أن نفرغ من العيد بانقضاء يوم العيد، يقتضي منّا أن نلاحق العيد لنعمّقه في كلّ يوم، وذلك هو عيد المؤمن الذي ينبغي أن يكون طاعةً لله بالرفض لمعصية الله، وأن يكون عيده بالمحبّة لعباد الله وبالنفع لعيال الله، ففي الحديث: «الخلقُ كلّهم عيالُ الله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله»، أو «مَن أدخل على أهل بيته سروراً». إنّ عيدنا هو عيد الفرح، وفرحنا أن نعطي الفرح من قلوبنا لكلّ الفئات المحرومة، وأن نعطي الفرح لكلّ الإنسانيات المتألّمة، وأن نعطي الفرح لكلّ المشرَّدين ولكلّ الحزانى ولكلّ البائسين، وعند ذلك لا يكون الفرح شيئاً في الزمن، بل يُصبح شيئاً في الإنسان. في وداع الشهر الفضيل هذا شهر رمضان أقبل علينا، وهو شهر الله. وقد دعانا الله إلى ضيافته، أنفاسنا فيه تسبيح، ونومنا فيه عبادة، ودعاؤنا فيه مُستجاب، وعملنا فيه مقبول، وها هو يقارب على الرحيل في أيّامه الأخيرة، فلنطهّر قلوبنا ولنصفّي عقولنا، ولنقرأ كتاب ربّنا حتى نكون دائماً الضيوف، الذين يأكلون من كلّ هذه المائدة الروحية اللذيذة.. إنّ صوم رمضان مناسبة في عمر الإنسان يتكرّر كلّ عام، تحضه على الإكثار من عمل البرّ والاعتكاف بعيداً عن صخب المتعلقين بالدنيا، ليكون دعاء المؤمن «سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير». والصيام سبيل لتعليم الإنسان كيفية الابتعاد عن المعاصي، واستبدالها بالطاعات، والإنابة إلى الله ربّ العالمين، وذلك يساعد الفرد على إقفال كلّ مسالك الشيطان إلى نفسه، فيرتاح من وساوسه، ويمتلئ قلبه بنور الإيمان والتقوى، فتطمئن نفسه وتستقيم أفعاله. هو محطّة تضخّ المؤمن بالحيوية والنشاط الإيماني ليعيش في ظل بركة هذا الشهر مباركاً وآمناً من الذنوب في سائر شهور السنة. هو دعوة إلى تقوية الإخاء بين المسلمين وتوثيق العلاقات الإنسانية، دعوة إلى السلم والسلام مع الله ومع النفس ومع الناس. شهر رمضان هو الشهر الذي أراد الله أن يكون منفتحاً على السنة كلها، تخطط فيه لسنتك كيف تتقرّب إلى ربّك، وكيف تؤكد إرادتك، وكيف تنهي نفسك عن الفحشاء وعن المنكر، وكيف تفرح الفرح الروحي الذي ينتظرك في نهايته، وتأتي كلمة الإمام عليّ (عليه السلام) ليختصر لنا معنى العيد في حياتنا «إنّما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكلّ يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد»، فكأن عليّاً (عليه السلام) يقول لنا لماذا لا تجعلون أيامكم كلّها أعياداً، فطاعة الله هي العيد، الذي لابدّ أن تحتفل به، فلماذا لا تعيش هذا الفرح الروحي في كلّ حياتك، وليس من الضروري أن يكون عيد فطر، ولكن أن يكون عيد الطاعة إلى الله والقرب منه والمسير في طريقه.. إنّ الساحة جاهزة والربّ يفيض علينا من رحمته، وعلى كلّ منّا أن يعرف كيف يغترف من هذا النبع الصافي السلسبيل، ويبقى النداء «وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (التوبة: 105). لقد أمرنا الله بالقليل القليل ووعدنا بالمقابل بالكثير الكثير، فلنحسن الأدب مع الله تعالى، ولنتقبل ما أمرنا به، لخيرنا نحن، لعلّنا نعلم ونعي، فنتّقي الله ربّ العالمين، الذي فتح أمام جميع عباده أبواب التوبة والمغفرة، ودعاهم للمودة إليه، فهو الرحمن الرحيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق