صحية

%5 – %10 من حالات السرطان سببها وراثي

تتوارد التقارير يوميا عن اكتشاف جينات لها علاقة بالإصابة بأمراض منتشرة، مثل السرطان وامراض القلب والسكري واضطرابات مناعية ونفسية. مما يعلل اعتبار التاريخ المرضي للأسرة من العوامل الرئيسية والمهمة لتحديد قابلية افرادها للإصابة بالأمراض. ولكن من الخطأ لوم الوراثة فقط على المرض، لان الدراسات بينت انها ليست المذنب الأوحد. فهناك عدة عوامل اخرى تلام عليها الاسرة مثل مشاركتها للعادات الاجتماعية واسلوب الحياة والبيئة والمستوى الاقتصادي.

ماذا تعرف عن الكروموزوم والجينات؟
– الكروموسوم هو حامل الصبغة الوراثية الموجود في نواة جميع خلايا. والكروموسوم مكون من اتحاد وحدات من «دي ان اي»-DNA. وكل مجموعة من وحدات DNA (بتسلسل معين) تسمى «جينا» ويكون مسؤولا عن تحديد صفات الجسم؛ مثل لون العين والشعر وشكل الانف وبنية الجسم وحتى الاعتلالات الصحية. وهو المسؤول أيضا عن نقل المعلومات الجينية من جيل الى اخر عبر توريثها للأبناء. واحيانا، يحدث تسلسل شاذ او تحور في هذه الجينات او اختلال وظيف (طفرة وراثية) لتؤدي الى الاصابة بمرض. وتنتقل هذه النسخة التي تحتوي على التحور او الطفرة الوراثية الى الابناء لتسبب اصابتهم بأمراض لم تكن موجودة في اسلافهم.
أنواع الأمراض الجينية
قسم العلماء الامراض الجينية الى:
– امراض الكروموزوم: عندما يكون كامل الكروموسوم او جزء كبير منه مفقودا، من امثلته: متلازمة الداون.
– اختلال في جين واحد: عندما يتوقف جين واحد او يختل عمله، من امثلته مرض الأنيميا المنجلية.
– اختلال جيني متعدد العوامل: عندما يكون هناك تحور في عدة جينات ناتجة عن تأثير عامل بيئي، ومن امثلته: السكري.
– طفرة في جين او عدة جينات تزيد خطر الاصابة بمرض، مثل الزهايمر.
– مرض الميتوكوندريا: هي امراض نادرة سببها تحور او طفرة جينية في كروموسومات الميتوكندريا (الجزء المصنع للطاقة في الخلية). ويمكن ان يسبب ذلك مرض أي عضو في الجسم ولكنه الخطر يزداد بخاصة للدماغ والعضلات.
القابلية الجينية
بينت دراسات علم الجينات ان بعض الجينات والتحورات الجينية لا تسبب الاصابة بالمرض، بل «قابلية جينية» للإصابة بالمرض. بمعنى ان الشخص يبقى سليما ما دام لا يتعرض الى محفزات ومثيرات بيئية تسبب نشاط الجين او الطفرة الوراثية لتبدأ نوبة المرض الاكلينيكية. على سبيل المثال، يعرف ارتباط الجينات مع حالة ارتفاع ترسب الكوليسترول في الشرايين وهي حالة تزيد من فرصة الاصابة بأمراض القلب والنوبة القلبية في سن مبكرة. ومن الامثلة الاخرى ايضا جينات براكا التي ترفع فرصة الاصابة بسرطان الثدي والمبيض لما يصل الى %70.
وبينت الدراسات ان سبب هذه القابلية الجينية هو تغيرات او تعديلات صغيرة في عدة جينات. وان بدء الاصابة بالمرض يعزى الى تفاعل الجينات بعضها مع بعض ومع عوامل بيئية. وعليه، فإن وجود اصابات عائلية بالمرض، سببه ليس الجينات فقط بل ايضا التعرض الى الملوثات البيئية نفسها واتباع عادات واسلوب حياة متشابها.

ما علاقة الجينات بالمرض؟
– لأن كل خلية في الجسم تحمل جينات وراثية، فللجينات تأثير في طبيعة عمل وصحة كل خلايا الجسم وفي قابليتها للمرض وتأثرها بالعوامل الخارجية والداخلية وحتى في موعد موتها. وقد ركزت دراسات كثيرة على فهم آلية علاقة الجينات مع الاصابة بالأمراض الشائعة مثل امراض القلب والشرايين، ارتفاع ضغط الدم، السرطان، السكري وكثير من الامراض النفسية. وكشفت الدراسات عن التالي:
– هناك تسلسلات جينية تسبب زيادة في قابلية الاصابة بمرض معين، وجينات اخرى او تغيرات جينية ترتبط مع الاصابة بالمرض صراحة وتسارع وتيرة الاعراض.
– للجينات دور في تحديد ردة فعل الجسم للعلاج العقاقيري للمرض. فهي الفيصل ما بين جسم يستجيب جيدا للعلاج وآخر لا يستجيب للعلاج.
– الجينات مسؤولة عن التحكم في ردة فعل الجسم للعوامل البيئية التي لها علاقة بالإصابة بمرض معين.
– للجينات دور كبير في تحديد العمر واعراض الشيخوخة. لذا، فهي تتفاعل مع الجينات الاخرى لتزيد قابلية الاصابة بالمرض عند سن معينة وزيادة شدة الامراض.
السرطان
يحدث السرطان نتيجة عطل في عمل جين مسؤول عن اتزان عملية تكاثر وترميم الخلية. وذلك يؤدي الى تكاثر الخلايا بشكل غير طبيعي وفقدانها لخاصية الموت. فلا تموت الخلايا السرطانية بل تستمر في التكاثر وتغزو الخلايا المجاورة الى ان تصل الى الغدد الليمفاوية والاوعية الدموية حتى تنتشر الى اعضاء الجسم.
رغم اثبات دور الجينات، فان الدراسات بينت ان العامل المسبب لانتشار الاصابة بالسرطان يعزى الى تأثير العوامل البيئية واسلوب الحياة مثل التدخين والتغذية والنشاط البدني والتلوث البيئي والعدوى. وبخاصة لأن التقارير تشير الى ان نسبة حالات السرطان التي تنسب الى الجينات الوراثية المرضية تتراوح ما بين %5 – %10 من جميع الحالات، بينما تنسب معظم حالات السرطان الى مسببات بيئية وحياتية. على سبيل المثال، يقدر ان اقل من %5 من حالات سرطان الثدي والمبيض تنسب الى وجود جينات براكا في الجسم. لكن وجود هذه الجينات يرفع قابلية الاصابة بسرطان الثدي والمبيض الى %70. ولكن نظرا الى قلة انتشار جينات براكا فلا ينصح الجميع بالخضوع للفحص الجيني، بل فقط اقرباء المصابين من الدرجة الاولى.
حددت الدراسات عاملا مهما يسمى «اختلاف آلية الايض وتحليل الكيميائيات المسرطنة». وانها تفسر الاختلاف في قابلية الاصابة ببعض انواع السرطان. حيث وجد انها تسبب انخفاض قدرة الخلايا في التعامل مع المواد المسرطنة مثل التبغ والكيميائيات الغذائية والتغذية السيئة وللعوامل البيئية الضارة. وتركز الدراسات المستقبلية على تحديد الجينات المسؤولة عن ذلك وتقييم عملها.
لمَ يصاب بعض المدخنين بالسرطان دون الآخرين؟

من الدراسات المميزة في مجال الجينات، هي تلك التي فسرت سبب اصابة بعض المدخنين بالسرطان ومناعة آخرين منه. حيث اثبتت أن بعض التغيرات الجينية ترتبط مع التدخين ولها دور في الاصابة بسرطان الرئة. وللتوضيح، يحتوي دخان السجائر على مجموعة كبيرة من الكيميائيات المسرطنة التي تسبب تلفا في DNA (أي الجينات). وهناك طرق عديدة يتمكن فيها مركب DNA من ترميم نفسه، لكن الجينات التي تمهد لآلية هذا الترميم تختلف من شخص لآخر. وفهم هذا الامر هو الخطوة الاولى لفهم سبب اصابة البعض بسرطان الرئة (حتى للمدخن غير المباشر- اي مستنشق الدخان). فقد كشفت دراسة ان حدوث تحورات في الجينات المسؤولة عن ترميم DNA هو سبب الاصابة بسرطان الرئة. كما بينت ان وجود هذا المتغير في جسم غير المدخنين يزيد من فرصة اصابتهم بسرطان الرئة بمرتين مقارنة بغير المدخنين الذي لديهم جينات طبيعية. اما المدخنون الشرهون ممن لديهم هذا التحور فتزداد فرصة اصابتهم بمعدل الضعفين مقارنة بالمدخنين الذين لديهم جينات طبيعية. ومن جهة اخرى، وجد ان بعض الطفرات الوراثية تسبب وقاية المدخن من سرطان الرئة، حتى لو كان شرها بحيث تنخفض فرصة اصابته الى %70 مقارنة بمن لديه جينات طبيعية. ويعتقد ان تفاعل مركبات الدخان مع الجينات هو السبب.

السكري

ارتفاع معدل سكر الدم عن معدله الطبيعي من دلالات الاصابة بالسكري

السكري مرض يتصف بارتفاع معدل سكر الدم، وذلك نتيجة إما لفقر انتاج الجسم لهرمون الانسولين او قلة فعالية هذا الانسولين. والانسولين هو الهرمون الذي يحلل السكريات والنشويات الموجودة في الطعام ويحولها الى غلوكوز حتى تستفيد منه الخلايا كمصدر للطاقة. وتلعب عدة عوامل جنينية وبيئية دورا في الاصابة بهذا المرض، من اهمها: السمنة وقلة النشاط البدني والتغذية غير الصحية. كما ترتبط الاصابة ايضا بالقابلية الجينية. وعليه، فيمكن الوقاية من الاصابة بهذا المرض عبر اتباع اسلوب حياة صحي (تغذية صحية وممارسة الرياضة). لكن يوجد استثناء وهو الاصابة بالسكري من النوع الاول الذي ينسب الى حدوث اضطراب مناعي ومهاجمة خلايا المناعة لخلايا البيتا في البنكرياس. حيث بينت الدراسات ان سبب هذا النوع من السكري يعزى الى وجود تحور جيني وتفاعله مع عوامل بيئية وبخاصة عدوى فيروسية.

أمراض القلب والشرايين

يعرف ان امراض القلب والشرايين هي القاتل الاول للبشر، ويقدر انها السبب في %80 من الوفيات عالميا. وتشمل هذه الامراض: امراض شرايين القلب التاجية، امراض شرايين الدماغ، فشل القلب، الجلطة، حمى القلب الروماتيزمية، امراض صمامات القلب وتشوهات القلب الخلقية. وباتت علاقة هذه الامراض بالجينات معروفة، فيعرف ان سببها قد يرجع الى تحور في جين واحد او سلسلة من الجينات، ويضاف الى ذلك تأثير العوامل البيئية. ومن اهم هذه العوامل: التدخين والسكري والخمول والسمنة وارتفاع ضغط الدم وارتفاع معدل الكوليسترول.
وقد قيمت الدراسات آلية امراض القلب والشرايين وعلاقتها بالجينات حتى تتمكن من تحديد الاكثر عرضة للإصابة بالمرض. وخلصت الى ان قابلية الاصابة بهذه الامراض له علاقة بعدد يصل الى 100 جين. لذا، يعتقد أن للأمر علاقة بسلسلة من الجينات. لكن الجينات لا تتحمل لوحدها ذنب الاصابة بالامراض، لكن الامر لن يتطور ليسبب امراض القلب إلا ان رافقته عوامل بيئية مثل سوء التغذية، الخمول، التدخين، السمنة، فرط التوتر والقلق، الاصابة بالسكري، ارتفاع ضغط الدم والاكتئاب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق