خارجية

إلى أين تتجه العلاقات الأميركية الروسية؟

كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يحلم بتغيير في العمق في العلاقات الأميركية الروسية، لكن الخصومات بين البلدين تتراكم يوماً بعد يوم.. لم يكن الرئيس ترامب يتوقف عن ترديد السؤال التالي خلال حملته الانتخابية، حيث كان يقول دوماً «أليس رائعاً ان استطعنا الاتفاق من أجل الوصول إلى سلام مع روسيا، ونحل معاً مشاكل العالم؟.. لقد كان ترامب معجباً ببوتين ولا يجد حرجاً في الافصاح عن ذلك، لكن بعد عام انهارت هذه العلاقة على حد تعبير الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف.

منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في عام 1991، سعى كل الرؤساء الاميركيين إلى الانفتاح باتجاه روسيا، لكنهم جميعهم فشلوا في تغيير الوضع، والنتيجة ان الجميع باتوا يعتقدون ان العلاقات الأميركية الروسية تحكمها اساسيات بنيوية وليست قضية اشخاص، وفق المختصة في الشأن الروسي انغيلا ستانت، التي فصلت في هذه العلاقة في كتابها «حدود الشراكة».
ووفق السفير السابق جون هربست، الذي يعمل باحثاً في مجلس الاطلسي، فإن نقطة الخلاف التي سممت العلاقات بين البلدين تعود إلى التوافق الدولي الذي خيم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991.
وموسكو التي تعد أكبر خاسر في الحرب الباردة، لم تستوعب ابداً انهيار الأمبراطورية ولا انضمام عدد من دول اوروبا الوسطى والبلقان لحلف الناتو والاتحاد الأوروبي، ما حرمها من بسط سيطرتها ونفوذها على مناطق عدة، وما ان وصل بوتين الى الحكم حتى عادت موسكو للمطالبة بتوقيع اتفاقية يالطا 2، ما يمنحها سلطة على الامبراطورية السابقة، وهو أمر لا يمكن ان تقبل به الولايات المتحدة وفق السفير الأميركي دان فريد، واما الصحافي مايكل زيغار صاحب كتاب رجال الكرملين فيقول «يشعر الروس بخيانة الغرب لهم، وليس بوتين فقط من يرغب في تعزيز مكانته في نادي صناع القرار الدوليين، ولكن الليبراليين الذين يحيطون به أيضاً، الذين يعتقدون ان عملية اضعاف روسيا، كانت متعمدة».
وأما في الولايات المتحدة فالمؤيدون، وهم اقلية، ينتمون الى المدرسة «الواقعية» مثل جون ميرشيمر أو ستيفان والت، فيؤيدون هذه الفرضية ويدعون واشنطن الى فهم المصالح الروسية، لكن منذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014، تقر غالبية المجموعة السياسية الأجنبية في واشنطن، وبينهم وزراء ومستشارو الرئيس بأن روسيا باتت قوة عدائية تسعى إلى تحدي الوضع الراهن والاضرار بمصالح واشنطن وفق السفير هربست.
وأما المختصة في الشأن الروسي هانا هوبرن الباحثة في معهد هادسون فتقول: «ما حدث مؤلم جداً ومن الصعب أن تفقد هكذا الإمبراطورية من دون تفسير.. أنا لا أرى أي أداة دبلوماسية قادرة انطلاقاً من واشنطن على علاج هذا المرض»، فيما ترى عناصر المعارضة الليبرالية الروسية مثل الصحافية إيفقينيا الباتس أن دوافع موسكو يحركها المنطق الداخلي ويعتقدون أن منعرج 2014 في أوكرانيا ساعد نظام بوتين على تعزيز مكانته مستغلاً في ذلك القومية واستخدام الغرب كفزاعة افتراضية، بعد تظاهرات كبيرة مناهضة لبوتين في 2014.

نقاط الاحتكاك
يعد الملف الأوكراني وفق السفير هربست من بين أبرز الملفات الإقليمية التي سمّمت العلاقات الروسية – الأميركية. فمنذ ضم شبه جزيرة القرم وانتهاك القانون الدولي من خلال تنظيم استفتاء تحت إشراف القوات الروسية ودعم الكرملين للمنشقين في دونباس، تحولت العلاقة بين واشنطن وموسكو إلى حوار الطرشان، فروسيا تنفي أي علاقة لها بالمنشقين وتتهم نظام كييف وثورة الميدان بتعزيز هذه التوجهات الانفصالية، وأما واشنطن فكانت تشترط في عهد أوباما عودة شبه جزيرة القرم إلى سلطة كييف ووضع حد للانشقاق في الشرق لرفع العقوبات عن موسكو.
لكن عكس ما بدا في خطاب ترامب خلال الحملة الانتخابية، شددت الإدارة الأميركية لهجتها وقبلت أيضاً بيع الأسلحة الفتاكة لكييف. وأما القضية الأخرى التي أدت إلى توتر العلاقات الأميركية – الروسية فتتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية. شكك ترامب من جهته في هذا الاتهام الذي ساقته إدارة أوباما، واعتبره محاولة من غرمائه لضرب شرعيته، غير أن إدارته ومن بينها رئيس «سي اي اي» مايك بومبيو أقرّ بأن الروس حاولوا التدخل عن طريق عمليات إلكترونية وعمليات دعاية مكثفة في انتخابات 2016، وهو ما ندد به الجمهوريون والديموقراطيون في الكونغرس بالإجماع.
وفي تقريره الحديث عن الدفاع القومي تحدث البنتاغون عن سياسة التآمر والتخريب والدعاية التي يقودها الروس في الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا، حيث تهتم روسيا عن كثب بالأحزاب الشعبوية المناهضة للاتحاد الأوروبي التي بدأت تنتشر في كل مكان وتقول الباحثة هانا هوبارن أن تهديد قوى مثل روسيا أو الصين ذكر قبل تهديد الإرهاب في التقرير.
وقد نشرت قائمة تضم 250 شخصاً قريباً من بوتين، بعد فرض عقوبات عليهم فيما تستعد وزارة الخزانة الأميركية لنشر قائمة أخرى.
وتلعب روسيا دوراً «سلبياً» أيضاً في كوريا الشمالية، تحدث عنه الرئيس ترامب الذي يعتبر بيونغ يانغ أكبر تحد خلال فترته الرئاسية ويتهم ترامب موسكو بكسر الحصار النفطي الذي يريد تشديده على كوريا الشمالية بالتعاون مع الصين، لكن روسيا تبدو كمفسدة للحفل.
وتعد سورياً أيضاً من أهم نقاط الخلاف مع موسكو، فبينما يسعى ترامب للانسحاب بسرعة من الشرق الأوسط، تلعب روسيا أوراقاً أخرى على الصعيد السياسي والعسكري همشت الجهود الأميركية. وفيما شرع الأتراك في تنفيذ عملية ضد الكرد، حلفاء واشنطن في سوريا يشعر الأميركيون بأن الروس يحاولون تقويض علاقاتهم مع أنقرة، بينما ترى موسكو من جهتها بأن الطريقة التي تستخدم من خلالها القوات الكردية على الحدود التركية «غير مسؤولة».
ورداً على العقوبات، أمرت موسكو 755 دبلوماسياً أميركياً بحزم حقائبهم والمغادرة، وتحدثت نيويورك تايمز عن بعض الدبلوماسيين الاميركيين في روسيا لمضايقات، وكان آخر هذه التحرشات تحليق طائرات روسية على ارتفاع منخفض الأسبوع الماضي فوق سفن اميركية في البحر الأسود وبحر البلطيق، وهي سلوكيات تحرش واضحة وفق هربست، والولايات المتحدة أعلنت هي الأخرى رغبتها في امتلاك اسلحة نووية جديدة، ضعيفة القوة، حتى تتفوق ع‍لى روسيا في هذا المجال.

تأثير التحقيقات
رغم طموحاتهم في البداية، تأكد الروس بأن التحقيقات بشأن تدخل الروس في حملة ترامب الانتخابية ستوقف اي تطور لهذه العلاقات ويقول جون هربست «ليس خطأ، ترامب لن تكون له حياة سياسية حقيقية ما لن تنته التحقيقات».
طلب الرئيس نشر مذكرة سرية كتبتها لجنة في الكونغرس برأته على حد تعبيره وتحدث عن «عار اميركي»، لكن مصدرا روسيا يؤكد ان حالة الفوضى التي خلفتها القضية اضعفت الولايات المتحدة وشجعت روسيا التي استغلت هذا الضعف لتحريك ابواقها وزيادة التوترات.
ولا يستثنى السفير هربست اي مفاجآت من قبل ترامب، ان قررت روسيا تغيير موقفها من اوكرانيا خلال آخر عهد لبوتين، وعلى الخصوص لأسباب داخلية، ويضيف «يبدو ان مباحثات مثمرة جرت مؤخرا بين فلاديسلاف سوركوف والمبعوث الاميركي حول الملف الاوكراني كورت فولكر في دبي»، لكن انفراجا حقيقيا في العلاقات يبدو بعيدا بالنظر الى ثقل النزاعات والغضب المتصاعد للطبقات السياسية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق