خارجية

لوفيغارو: هكذا يستعد هولاند للعودة إلى الحلبة السياسية

لا يتوقف هاتف الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند عن الرنين، كما لا يتوقف عن استقبال الزوار والضيوف في مكتبه الجديد. أمّا أجندته فتتزاحم فيها المواعيد والزيارات إلى الخارج، رغم مغادرته قصر الرئاسة قبل شهور، فهل يستعد الأمين العام السابق للحزب الاشتراكي للعودة إلى السياسة، خصوصاً بعد أن أكدت مصادر شروعه في اتباع حمية غذائية تشبه تلك التي اتبعها أثناء استعداداته لإعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة في 2012؟

ظهر فرنسوا هولاند عدة مرات منذ انتهاء فترة رئاسته لكن في فعاليات بعيدة عن السياسة، ويقول مقربون منه «لا يجب الانخداع بالمظاهر، لأن علاقة الرئيس الفرنسي السابق لا تزال وثيقة بعالم السياسة التي يعيش من أجلها».
ويؤكد المقربون أن أجندة الرئيس السابق تحمل الكثير من مواعيد العمل، وأن هاتفه لا يتوقف عن الرنين، بينما برنامج تنقلاته للخارج مكثف جداً، حيث لا تزال توجه إليه الدعوات، ففي مكتبه الجديد في شارع ريفولي، الذي لا يبعد سوى ثلاث دقائق عن قصر الإليزيه، يستقبل الرئيس السابق زواره، هنا يستشير ويقدم المشورة، حيث يأتي لزيارته شباب حديثون في عالم السياسة، ومخضرمون مطلعون جداً ويعرفون الكواليس، ووزراء سابقون، ومنتخبون سابقون، وأيضاً مستشارون سابقون لقطاعات وزارية مختلفة، يستقبل فرنسوا هولاند الجميع وأحياناً في حضور كلبته فيلاي.
ففي منتصف سبتمبر الماضي التقى طيلة ساعة ونصف الساعة كاملة فرنسوا دي روجي الريكولوجي السابق والمرشح للانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي، الذي التحق في ما بعد بصفوف حزب ايمانويل ماكرون، وكان هدف رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية من هذه الزيارة هو بحث إصلاح المؤسسات مع الرئيس السابق، لكن الحديث تشعب بسرعة إلى مواضيع سياسية أخرى. وفي هذا الشأن يقول روجي: «كان يرغب في الحديث معي عن وضعية الحزب الاشتراكي والعلاقات مع حزبي فرنسا المتمردة والجمهورية إلى الأمام».

التموقع في المكان الجيد
يجمع الكثير ممن التقوا الرئيس السابق مؤخرا، وبينهم كريستوف مادرول، الأمين العام السابق لاتحاد الديموقراطيين والايكولوجيين، الذي كان يزوره بانتظام اثناء فترة الرئاسة، حيث يقول ان هولاند يعمل بجد ويتمتع بطاقة كبيرة، غير ان المستشار السابق برنار بوانيون نقل عن الرئيس انزعاجه من انتقادات ماكرون له، وانه قرر عدم السكوت على اي انتقادات توجهه له، حيث قال «انه منزعج من القول ان فترة رئاسته كانت كارثية، وأن فرنسا افضل اليوم بفضل ماكرون»، واما الوزير السابق ميشال سابان، الذي يستعد للالتحاق بمكتب هولاند كمستشار، فيقول «لن نستطيع البقاء كمتفرجين امام كل هذا»، في دلالة واضحة على ان هولاند يستعد للمعركة من جديد وبدأ في اتباع حمية غذائية مثلما فعل في 2011، حين شرع في التحضير لاعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية.
لطالما سعى فرانسوا هولاند الى التقرب من الصحافيين والتواصل معهم، لكن اليوم منزعج منهم، ويشكو سراً «تعاطف» الصحافة مع الشخص، الذي كان يحميه في السابق. ويسهل اكتشاف هذا الانزعاج احيانا خلال بعض الاحتفاليات والتظاهرات، فحين دعا الرئيس ايمانويل ماكرون سلفه للاحتفال بفوز فرنسا بشرف تنظيم الالعاب الاولمبية لعام 2024، حضر الرئيس السابق هولاند في الصف الاول، لكن وزيرة الرياضة لورا فليسل لم تشر لا من قريب ولا من بعيد في خطابها الى دور هولاند في ترشح فرنسا لاحتضان هذه المنافسات. انفجر هولاند من الغضب من دون اخفاء عدم رضاه على ما جرى.
وفي موقف آخر، قال هولاند وهو يسلم رائدة الفندقة كريستين بوجول ميدالية استحقاق بمناسبة تكريمها في مدينة كاركاسون، «كنت دوما سيدة ثابتة ووفية لالتزاماتك المهنية والسياسية»، واضاف وهو يوجه نظره نحو ايمانويل ماكرون «وهذا الامر ليس شائعاً».
ويقول ميشال سابان ان الرئيس السابق لم يهضم دوماً بعض تصرفات ماكرون، ويضيف «سلوكيات ماكرون تكشف مدى صبيانيته مثله مثل نيكولا ساركوزي».
يقدم فرنسوا هولاند لكل زائر من زواره عرضاً مفصلاً للوضع السياسي في البلاد، وفي تحاليله لا ينسى التركيز على المصاعب والمشاكل التي تنتظر ماكرون. فبالنسبة للرئيس السابق فإن انتخاب وزيره السابق هو نوع الحوادث التي يندر أن تقع في التاريخ كما أن مجموعة وقائع متتالية هي من محت مؤقتاً عائلات سياسية تقليدية، لكن تصحيح هذا الإنحراف أمر حتمي وهنا يقول ميشال سابان «المكارونية لحظية ولا يمكن أن تمحو ابداً نقاشاً مستمراً بين اليمين واليسار، فرنسوا هولاند رجل يساري دوماً، وحين نؤمن بهذا التوجه، فإننا ندرك شيئاً لا يعرفه ماكرون وهو أننا لا نولد من العبث ولا شيء يبدأ من تلقاء نفسه».
ويعتقد هولاند أن نهضة اليسار ستأتي إن عاجلاً أو آجلاً ويكفي انتظار تغير اتجاه الريح حتى يتموقع هذا اليسار في المكان المناسب لينطلق من جديد. بعد الانتخابات التشريعية حرص الرئيس الفرنسي السابق على الاتصال بالمرشحين الاشتراكيين الفائزين، وبعد انتخابات مجلس الشيوخ هنأ الفائزين بمن فيهم أولئك الذين لا يعرفهم ووفق النائب السابق سيباستيان ديناجا فان هولاند مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالحزب الاشتراكي وحريص على ان يبقى الحزب اشتراكياً وديموقراطياً في العمق، لكنه يرغب عن التدخل في مؤتمرات الحزب القادمة».
هناك اشتراكيون مؤيديون له، يلتقيهم بانتظام وهناك أيضاً الجيل الجديد الذي لا يثق بوصاية وبظل الرئيس السابق ويقول اربعيني ينتمي للحزب الاشتراكي، يتردد اسمه لقيادة مؤتمر الحزب القادم «يبدو ان «الجد» يرغب في رؤيتي.. لا اعرف جيداً إن كنت سأذهب، سيعتقدون في ما بعد اني ذهبت طلباً للتعليمات والأوامر».
يحرص فرنسوا هولاند على التواصل مع الجيل الجديد ويقول السيناتور رشيد تيمال الذي يزوره باستمرار انه ينصحه بأن يكون وريث التاريخ وحامل مشروع في الوقت ذاته، كما لا يزال وفيا لنفسه ولا يكذب شيئاً مما يدور حوله في انتظار ما سيحصل، حتى أن كثيرين يرددون انه يدعم 5 ممن يتسابقون لقيادة الحزب الاشتراكي وهم نجاة فالو بلقاسم وأوليفيي فور وماتياس فيكل وستيفان لو فول وحتى برنار كازنوف على الرغم من انسحابه من الحياة السياسية ووفق كادر اشتراكي لا ينطلي عليه كلام هولاند المعسول فإن الرئيس السابق يشجع كل من يراهم في مكتبه ويعطيهم الانطباع بأنهم مهمون للغاية».

شقة جديدة في الدائرة العشرين
حين لا يتحرك فرنسوا هولاند في الكواليس، تجده كل اثنين في مقر مؤسسته «فرنسا تلتزم» التي ترافق رجال الأعمال، كما يستعد للسفر إلى كوريا الجنوبية بين 16 و18 أكتوبر ثم إلى البرتغال في نوفمبر، قبل ان يستهل جولة أفريقية. ويقول أحد أصدقائه ان هذه الرحلات تبهجه. كما يستعد للانتقال للإقامة في شارع بانولي في الدائرة الباريسية العشرين، حيث عثر أخيرا على شقة.
كما يعكف الآن أيضا على تأليف كتاب عن فترة الرئاسة التي قضاها في قصر الإليزيه. ويبدو أن الوقت قد حان وفقه ليدلي بدلوه ويكتب وجهة نظره حول الأحداث التي عايشها، بعد كل تلك التسريبات التي عانى منها وهدفه تحسين صورته على أمل عودته إلى الساحة السياسية، وان لم يطالب احد رسميا بذلك وحتى دائرته الخاصة.
وفي موازاة ذلك، يعكف ايضا اثنان من مستشاريه السابقين هما غاسبار غانتزر وفانسان فالتاس على تأليف كتاب آخر حول تجربتهما في قصر الإليزيه. وأما في قصر الإليزيه، حيث بنى ايمانويل ماكرون نصره على نموذج مناهض تماما لفرنسوا هولاند، فيقول أحد مستشاري الرئيس «فرنسوا هولاند: الرئيس لا يتحدث عنه أبدا، إنه ليس موضوعا».
منذ مقابلته مع مجلة لوبوان، يعتقد ايمانويل ماكرون انه صفى حساباته مع سابقه، لكن حتى الآن يعد فرنسوا هولاند الرئيس السابق الوحيد الذي لم توجه له دعوة لتناول الإفطار مع ايمانويل ماكرون، لكن فرنسوا هولاند صبور وينتظر الساعة التي يتموقع فيها في المكان المناسب، مثلما وقع خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي في عام 2005.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق