محليات

الكويت في #عهد_جديد.. توجهات وسياسات بين خطابين

كان لرحيل المغفور له الأمير الراحل سمو الشيخ صباح الأحمد أثر عظيم تلقته البلاد والمنطقة والعالم بأسى بالغ في وقت حساس، حين اختارت العناية الإلهية الأمير الراحل لجوار ربه في ظل أزمات داخلية وخارجية تموج بها المنطقة، ليس أقلها أزمة كورونا وتهديدها البشرية ككل، من دون نسيان الأزمات الاقتصادية التي تواجه الكويت، ومشاكل البيت الخليجي في أزمة المقاطعة / الحصار على دولة قطر، حيث كان للأمير الراحل دورٌ مهم شهد له الجميع بمحاولة حلحلة الأزمة واستعادة الوحدة الخليجية ورأب الصدع العربي في الخليج لمواجهة مختلف الأخطار التي تحيط بدول مجلس التعاون. إلا أن المخاوف تبددت كلها مع الانتقال السلس والميسر للسلطة، حيث تسلّم سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد مقاليد السلطة رسمياً، معلناً سياسة عامة جديدة للبلاد، جوهرها المحافظة على الاستقرار الذي عاشته الكويت في فوضى المنطقة، والعمل على تحقيق رفاهية الشعب وازدهاره، بالتوازي مع تعزيز نهج الوساطة والاعتدال الذي عرفت به البلاد في ظل القيادة السابقة. نقاط عامة للسياسة المنتظرة على مستويات الداخل والإقليم والعالم ككل حملها خطابان رئيسيان لسمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد؛ هما خطاب البيعة، وخطاب افتتاح أعمال مجلس الأمة الجديد قبل أيام. أولاً: الرسائل الداخلية في خطابات العهد الجديد تبدأ رسالة الثبات على المبادئ والمحافظة على الدولة والشعب الكويتي؛ مع اليمين الدستورية التي أقسمها سمو الأمير بالحفاظ على مصالح الدولة والشعب وصيانة الدستور والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه. وهذا ما أكدته حيثيات كلمة سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد في خطاب القسم ذاته حين أكد أن: «بلدنا يواجه ظروفا دقيقة تتطلب وحدة الصف وتضافر الجهود، والكويت نجحت في تجاوز الصعاب بالتكاتف والاتحاد».. رسالة ثنائية الأبعاد نبهت من حساسية الظرف الذي تخوضه الكويت وضرورة التحام الشعب والسلطة، مؤكدا على الأمل بتجاوز تلك الصعاب – كرسالة للكويتيين – حين ذكر بكل النجاحات السابقة. وفي تأكيد على استمرارية النهج العام في مسيرة البلاد على النسق الذي تركه الأمير الراحل المغفور له الشيخ صباح الأحمد، جدد سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، البقاء على العهد، فقال في خطاب القسم: «إذ نشير إلى هذه التحديات، فإننا نؤكد اعتزازنا بدستورنا ونهجنا الديموقراطي ونفتخر بـكويتنا دولة القانون والمؤسسات وحرصنا على تجسيد روح الأسرة الواحدة التي عرف بها مجتمعنا الكويتي والتزامنا بثوابتنا المبدئية الراسخة»، ليتابع سمو الأمير بعث رسائل للكويتيين ببذل أقصى الجهد والطاقة لحمل الأمانة الغالية: «وإنني إذ أتصدى لحمل المسؤولية الجسيمة بروح الأمل والطموح لأعاهد الله وأعاهد شعب الكويت وأعاهدكم أن أبذل غاية جهدي وكل ما في وسعي حفاظا على رفعة الكويت وعزّتها وحماية لأمنها واستقرارها وضمانة لكرامة ورفاه شعبها، متسلحا بدعم ومساندة أهل الكويت المخلصين، وسائلا الله العون والسداد والتوفيق». الوفاء بالوعد الوفاء بالعهد بدا واضحا في خطاب القسم، تبعث برسائل مبطنة على ثبات الدولة وقياداتها عبر ذكر منجزات الأمير الراحل ومنجزاته وتوجيهاته السديدة التي ستبقى نبراسا هاديا؛ وهنا لا يمكن إغفال البعد الإنساني للأمير الذي أجهش بالبكاء في رثاء أخيه الراحل الأخ أولا والأمير والقائد ثانيا. أما في خطاب افتتاح أولى دورات البرلمان الجديد، فقد أكدت كلمة سمو الأمير على صعوبة المرحلة وحساسية التوقيت، ما يعزز ضرورة توحد الكويتيين وتضافر جهودهم، وخاطب سموه نواب الشعب بقوله: «تدركون ما يجري في العالم ومنطقتنا من تطورات وتحديات جسيمة؛ فلم يعد هناك متسع من الوقت لهدر الجهد في افتعال الأزمات والصراعات». ليدعو في كلمته أعضاء مجلس الأمة إلى «الحرص على أن تكون ممارسات قاعة عبد الله السالم (قاعة مجلس الأمة) قدوة تجسد الإيمان بالنهج الديموقراطي». سياسات جديدة وإصلاحات وفي رسالة ضمنية بضرورة بناء سياسات جديدة تتناسب والواقع الحالي للكويت؛ أكدت كلمة سموه أن: «مسيرة وطننا تعاني مشكلات جسيمة، الأمر الذي يستوجب وضع برنامج إصلاحي شامل يأتي بالحلول الناجعة حتى تستقيم الأمور وتنطلق المسيرة إلى التنمية المستدامة». في تحديد جديد لسياسة الدولة العامة المنتظرة، حيث شدد على أنّ «نجاح برنامج الإصلاح الشامل يتطلب تعاونا فعالا بين المجلس والحكومة، وحزما في تطبيق القانون وتطبيق الحوار الإيجابي وتجنب الفرقة والانقسام». رسالة للحكومة والنواب والشعب تحدد الخطوط العامة وحدود الخلاف الممكن والذي يجب أن يبقى تحت سقف الكويت وبشكل يضمن مصلحة الكويت وأهلها؛ وهذا ما تبعث له دعوة الأمير بضرورة التمسك بالثوابت الوطنية الراسخة والوحدة الوطنية التي تعتبر السلاح الأقوى في مواجهة التحديات والأخطار. وأكد سمو الأمير الشيخ نواف، خلال جلسة الافتتاح أن نجاح برنامج الإصلاح الشامل يتطلب وعيا مسؤولا وتعاونا فعالا بين مجلس الأمة والحكومة وحزما في تطبيق القانون، وتغليب الحوار الإيجابي المسؤول الذي يوحد ويجمع ويتجنب الفرقة والانقسام ويحقق المصلحة الوطنية المشتركة. ثانياً: رسائل السياسة الجديدة للمحيط والعالم في خطاب القسم والبيعة لم تركز كلمة سمو الأمير بشكل جذري على بعث رسائل واضحة المعالم للمحيط والعالم، كون البيعة بمقامها الخاص شأن داخلي يتلاحم فيه الكويتيون ويعززون استقرار بلادهم.. إلا أن الكلمة في ثناياها حملت تضميناً خاصاً حول الإقليم والعالم، حين ربط سموه بين الأزمات الخارجية التي تحيط بالبلاد في واقع مضطرب مع ضرورة تلاحم وتضافر جهود الشعب والحكومة لتجاوز تلك المحن كما اعتادوا قبلاً.. بالإضافة لتأكيد الأمير منهج الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، في رسالة تؤكد استمرارية نهج الاعتدال والوسطية، الذي اتبعته الكويت في عهد المغفور له والمتوقع استمراره في العهد الجديد. حل الخلاف الخليجي أما كلمة سمو أمير البلاد في افتتاح الدور الأول من أعمال مجلس الأمة الجديد في الـ15 من الشهر الجاري، فقد حملت رسائل واضحة المعالم للمحيط العربي والمنطقة، من دون أن ننسى هنا الكلمة «البينية»، التي ألقاها سموه وسمو ولي عهده ورئيس الحكومة في آخر جلسة للبرلمان القديم، حين جرى التأكيد على أن الكويت ستبقى ساعية للخير والسلام وتواصل المساعي لحل الخلاف الأخير في البيت الخليجي. إن من يتابع عن كثب ملف الوساطة الكويتية لحل الأزمة الخليجية، يعلم يقيناً حجم الزخم الذي أعطي لها في الفترات الأخيرة من عهد الأمير الراحل المغفور له الشيخ صباح الأحمد، وصولاً إلى العهد الجديد للشيخ نواف الأحمد، التي يؤمل أن تتوج باختراقات إيجابية في ظل الزيارات المتبادلة على مستويات رفيعة بين مسؤولين من الكويت وآخرين من دول مجلس التعاون. وقاد سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد منذ توليه الحكم محاولات عديدة لتعزيز الحوار الخليجي في جهد تكلل بإعلان الكويت عن محادثات مثمرة في ذلك الاتجاه. ولي العهد أكد أن الكويت ملتزمة دعم السلام والاستقرار خطاب البيعة لسمو ولي العهد الشيخ مشعل، أكد علانية أن الكويت ستحافظ على التزاماتها الخليجية والإقليمية والدولية، حيث تتقاطع مختلف مؤشرات تلك الرسائل على أن السياسة الخارجية الكويتية في العهد الجديد ستبقى محافظة على دعوة السلام ودعم الاستقرار الإقليمي والعالمي – كشأن الكويت المعتاد – ولن تتغير في عهد الأمير الجديد سمو الشيخ نواف الأحمد، وفق ما رآه المراقبون والمختصون. وخليجيا وعربيا ستبقى الوساطة الكويتية حاضرة وبدأت تؤتي ثمارها، أما القضية الفلسطينية وأزمة التطبيع الحالية فلا يتوقع تغيير السياسة الكويتية فيهما؛ تلك السياسة التي أعلنت قبل عقود أن الكويت آخر من يطبع مع إسرائيل ومن يعترف بها. رئيس الحكومة يشدّد على التماسك والموضوعية تجدر الإشارة إلى كلمة رئيس الحكومة سمو الشيخ صباح الخالد، أمام أعضاء البرلمان الجديد، حيث قال: «نلتقي اليوم وسط مرحلة مهمة في مسيرة وطننا تتطلب من المجلس والحكومة التعاون البناء والتماسك المرصوص، والعمل بتجرد وموضوعية، والاجتهاد في أداء الواجب، وتحمّل تبعاته بإخلاص لخدمة الكويت». ثم أشار الى الأزمة الخليجية في رسالة إقليمية واضحة، تؤكد استمرار الرؤية الكويتية الصادرة من أعلى مستويات الدولة وصولًا لأي مواطن عادي: «سنسعد جميعاً بالعودة الطبيعية للعلاقات بين دول المجلس في القريب العاجل»، ليؤكد الخالد أن الكويت لن تدخر وسعًا: «في تعزيز الانفراج الإيجابي الحالي لحل الأزمة الخليجية»، ثم شدد على أن «أمن الخليج كلّ لا يتجزأ، والحفاظ عليه مسؤولية جماعية تشترك فيها دول مجلس التعاون». القضية الفلسطينية في وجدان الكويتيين نظرًا لأهمية القضية الفلسطينية في وجدان الكويتيين ككل، بقيت القضية حاضرة في خطابات العهد الجديد وتصريحات سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد في خطاباته الأخيرة، خصوصًا خطابي البيعة وافتتاح البرلمان اللذين أكد فيهما الاستمرار على نهج الأمير الراحل (ولا يجهل أحد نهج المغفور له الشيخ صباح الأحمد حول القضية الفلسطينية وجهود الكويت لنصرة أشقائها الفلسطينيين). وكذلك كانت تصريحات بقية مسؤولي الدولة خلال الأسابيع الماضية، خصوصًا حينما شدد رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ صباح الخالد على أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، ليؤكد أيضًا وقوف الكويت إلى جانب الشعب الفلسطيني ودعم خياراته، موضحًا «ندرك حجم التحديات الجسيمة على مستوى الأحداث في منطقتنا مما يستوجب العمل للحفاظ على أمننا». جملة تحديات ومشكلات أشار خطاب سمو الأمير في افتتاح البرلمان الجديد إلى أن مسيرة الوطن تعاني من مشكلات جسيمة ما يستوجب وضع برنامج إصلاحي شامل يأتي بحلول ناجحة حتى تستقيم الأمور وتنطلق الكويت نحو التنمية المستدامة.. وهنا لا بد أن نلخص أبرز تلك الإشكاليات التي تواجه البلاد: 1 – تواجه الكويت واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية بالخليج، في ظل تراجع إيراداتها بعد هبوط أسعار النفط عالمياً وتبعات أزمة «كورونا» دولياً. 2 – أعلنت الكويت في سبتمبر الماضي تخفيض مصروفات الحكومة في ميزانية السنة المالية 2020/2021 التي بدأت في أبريل، بنحو 945 مليون دينار (3.1 مليارات دولار) بسبب جائحة «كورونا». 3 – يتوقع أن يصل العجز التقديري في ميزانية الدولة 2020/2021 إلى 45.8 مليار دولار. في حين كانت التقديرات السابقة قبل أزمة «كورونا» وهبوط أسعار النفط تتوقع أن يصل العجز إلى 25.2 مليار دولار (أي بفارق 20 ملياراً). 4 – عدلت وزارة المالية تقديرات ميزانية 2020/2021، حيث قدرت الإيرادات بـ 24.5 مليار دولار والمصروفات بـ 70.3 مليار دولار بعد تفشي الوباء، في حين تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى تراجع الاقتصاد الكويتي 8.1 في المئة خلال عام 2020. 5 – الحكومة والبرلمان يواجهان هذه التحديات التي يبدو جلياً في مؤشرات العهد الجديد السعي لتجاوزها والتخلص من آثارها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شركة تنظيف
إغلاق