اقتصاد

هل تصمد منظمة التجارة العالمية أمام الحرب التجارية الأمريكية – الصينية ؟

كتب: مينا بشرى
منذ نشأتها عام 1995 ،وتتلخص مهامها في دعم انفتاح التجارة العالمية ،وتطوير الإنتاج وتنمية التجارة الدولية، واستغلال متكامل لمصادر الاقتصاد العالمي.
إلا أن منظمة التجارة العالمية تواجه تحديات جسام خلال الفترة الحالية تتمثل في تصاعد وتيرة الحرب التجارية بين أكبر قطبين اقتصاديين بالعالم-الولايات المتحدة الأمريكية والصين- ،وانعكاسها على الاقتصاد العالمي، إلى جانب تهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من منظمة التجارة العاملية ، مما دعا وزراء التجارة في 13 دولة المطالبة بإصلاح عاجل لمنظمة التجارة العالمية حتى لا يتعرض الاقتصاد العالمي برمته للخطر .

الرسوم الحمائية أولى طلقات الحرب
بدأت شرارة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ، عندما أقدمت الأولى بفرض رسوم جمركية على بضائع صينية تبلغ قيمتها 34 مليار دولار،وبنسبة رسوم تصل إلى 25%
في المقابل قامت الصين بفرض نسبة مماثلة من الرسوم على 545 منتج أمريكي،واتهمت بكين الولايات المتحدة ببدء “أكبر حرب تجارية في التاريخ الاقتصادي”.
أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية بالجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني قال في اتصال مع ” الدروازة نيوز ” أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة ولو إعلاميا ستؤثر على حركة الاقتصاد العالمي ومعدلات النمو .
ويرى المشهداني أن قاطرة النمو الاقتصادي العالمي هي الصين التي تتطلع الى تحقيق معدل نمو يقارب أو يصل الى 7‎%‎ ونتيجة إجراءات ترامب وبدء الحرب التجارية مع الصين من خلال فرض الرسوم الحمائية فإن معدلات النمو الصيني سيكون أقل من 5‎%‎ وهو ما ينعكس سلبا على الاقتصاد العالمي وكل الاسواق العالمية بداية من انخفاض الطلب الصيني على النفط وبالتالي انخفاض أسعاره عالميا لأنها أكبر الدول المستهلكة للنفط بعد الولايات المتحدة وصولاً إلى باقي القطاعات ثم أسواق المال العالمية وبالتالي ستؤدي الى ارتفاع معدلات البطالة.
وفي السياق ذاته يقول الخبير الاقتصادي محمد الشطي خلال حديث لـ ” الدروازة نيوز ” إن السياسات التجارية الحمائية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب تشكل تهديداً لتقويض نظام التجارة العالمي وبالتالي أداء الاقتصاد ومن ثم معدل تنامي الطلب العالمي وتشير التوقعات أن معدل نمو الطلب قد ينخفض بشكل أوضح خلال عام 2019 ، فالتصعيد في وتيرة فرض شروط حمائية يعني تباطؤ في حركة التجارة العالمية والنقل مما يكون له آثار سلبية على اقتصادات العالم .
وأضاف الشطي يجب ايضًا أن لا نغفل عن تأثير هذه الإجراءات على أداء البورصات والأسهم وهو ما سيكون له تأثيرات متسارعة ولدينا في التاريخ القريب ما يشهد على ذلك سواء في بورصة شنغهاي او الولايات المتحدة الأمريكية فور تبني هذه الإجراءات الحمائية .

اتهامات متبادلة
يرى عدد متزايد من الدول وخصوصا الأوروبية، وكذلك الولايات المتحدة وكندا أن منظمة التجارة العالمية لا تتصدى بشكل مناسب للخلل التجاري الذي تسببه الصين خصوصا المتهمة في موضوع الملكية الفكرية وكذلك بضخ مبالغ هائلة في اقتصادها.
في حين ترفض الصين الاتهامات الموجهة لها من قبل الولايات المتحدة ، وردت بالمثل على قرارات ترامب الاخيرة بفرض رسوم حمائية بالمثل على الواردات الأمريكية ، مما يدفع بهذه الحرب التصعيدية إلى التأثير على الاقتصاد العالمي برمته وعلى حجم الصادرات العالمية .
هذه الخطوات التصعيدية دفعت منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى إصدار تقرير مشترك يحذر من أن غياب تعديل قواعد التجارة الدولية يمكن أن يقوض نمو الاقتصاد العالمي وتراجع الفقر.
وفي اتصال هاتفي لـ ” الدروازة نيوز ” مع الدكتور زيد البرزنجي الخبير الاقتصادي من واشنطن ، يرى أن الآثار النهائية للحرب التجارية بين أكبر قطبين اقتصاديين يصعب التكهن بها سواء على المدى القصير أو البعيد ، ولكن هذه الأحداث تلقي بظلال قاتمة على مستقبل التجارة العالمية ، واستقرار العلاقات الدولية .
وأضاف البرزنجي أن هذه الحرب ستؤثر على النمو الاقتصادي للطرف الصيني بما يقارب الواحد بالمائة تراجعا ، وياتي ذلك في وقت حرج للحكومة الصينية التي يعاني اقتصادها من تباطؤ حاليا ،و ستتجه إلى تطوير علاقتها مع دول اخرى مثل أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية .
أما على الجانب الأمريكي ، فأثار هذه الأحداث ستنعكس على زيادة الأسعار،وربما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي ، ولكن قد يزداد إنفاق القطاع الخاص على اعادة ترتيب التعاقدات الدولية وقنوات الإنتاج والتصنيع ، بعيدا عن الصين .

ترهيب أم ترغيب
منذ وصوله إلى الحكم، شن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،سلسلة من الهجمات على مؤسسات النظام العالمي ، ولاسيما منظمة التجارة العالمية،حيث هدد ترامب أكثر من مرة بسحب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية حال عدم تغييرها نهجها من الولايات المتحدة نحو الأفضل.
ويرى ترامب أن المنظمة “تعاملت بشكل سيء” مع الولايات المتحدة على مدار سنوات طويلة، متهمًا المنظمة بمنح امتيازات للصين في مقابل تصرفات غير عادلة تجاه بلاده .
إلا أن بعض المراقبين يرون أن سياسة ترامب القائمة على مبدأ “اميركا أولا” وفرض رسوم جمركية عقابية إلى زعزعة العلاقات التجارية.
وفي هذا السياق يرى الخبير الاقتصادي زيد البرزنجي ، أن الرئيس ترامب لا يحب منظمة التجارة العالمية ، حيث يرى أنها متحيزة ضد المصالح الأمريكية ، وهو ادعاء لا تسانده الوقائع والمعلومات ،حيث أن أكثر من نصف قرارات منظمة التجارة العالمية كانت تساند الموقف الأمريكي ، والولايات المتحدة لديها تمثيل جيد جدا في الهيئات القضائية التي تحل النزاعات داخل منظمة التجارة العالمية .
وأضاف ” البرزنجي ” الادارة الأمريكية الحالية تقوم بتجاهل منظمة التجارة العالمية وصلاحياتها ، وتعمل جديا على عرقة وشل عملها عن طريق عدم الموافقة والتصديق على أي تعيين قضاة جدد بمحكمة التي تعمل تحت مظلة المؤسسة حيث الان بها ثلاثة قضاة فقط ، اثنين منهم تنهي صلاحيتهم مع نهاية عام 2019 ،فبالتالي إذا لم يتم تعيين أي قضاة جدد فلن تستطيع المحكمة النظر في أي قضية جديدة ،أو خلاف بين أي دولتين من أعضاءها .
كما أن أمريكا لديها إشكالية حول قدرة المنظمة في التعامل مع الصين ، مع أنها شجعت دخول الصين في المنظمة عام 2001 ، مقابل مساندتها للحرب على العراق .
الإصلاح من أجل الاستمرار
يبقى إصلاح المنظمة وتطوير قواعدها هو الأمل في تحجيم الآثار السلبية للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وحماية مسار التجارة العالمي ، وهو ما دعا وزراء التجارة في الدول ال13،للمطالبة بإخضاع قواعد المنظمة للتحديث لتتناسب مع متغيرات القرن الحادي والعشرين، وطالبوا بتعيين قضاة جدد بهيئة تسوية الخلافات،إلى جانب تنشيط آلية التفاوض في منظمة التجارة العالمية”
أستاذ الاقتصاد بجامعة بغداد ،عبد الرحمن المشهداني ،يرى أن أولى الإصلاحات التي يجب القيام بها هو سرعة البت في القضايا التي تخص النزاعات التجارية بين الدول ، حتى يكون للمنظمة دور حاسم في حل كافة الخلافات وتنظيم الإطار العام لعمل الاقتصاد العالمي .
“تطوير وإصلاح منظمة التجارة العالمية تعتمد على ثلاث محاور “هكذا يصف الخبير الاقتصادي
روشتة الاصلاح للمنظمة العالمية والتي تعتمد في المحور الأول على تطور آليات ولوائح المنظمة فيما يتعلق بالدعم الحكومي المباشر والغير مباشر للصناعات المحلية .
أما المحور الثاني يعتمد على تقديم حماية لبراءات الاختراع ، وكيفية التعاون مع الشركات التي لديها تطور علمي .
وتتلخص الآلية الثالثة في النظر في التعاملات التجارية والمالية العالمية وسيطرة الولايات المتحدة عليها ، مثل سيطرة الولايات المتحدة الأمريكية على الدولار الأمريكي ،وإلزام جميع التعاملات المالية بالمرور من خلال المصارف الأمريكية ، وهذا يعظم قدراتها على خنق كل التعاملات المالية على المستوى العالمي ، إذا لم تمر وفق رؤيتها ومصالحها .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق