خارجية

لبنان.. مناكفات ومنازعات حتى الانتخابات

خرجت المنازعة بين رئيسي الجمهورية ميشال عون ومجلس النواب نبيه بري على خلفية مرسوم منح سنة أقدمية لدورة ضباط 1994 عن اطارها التقني القانوني لتتحول «أزمة ميثاقية سياسية» (على ما يسميها الطرفان) سقطت أمامها كل المخارج المقترحة من الوسطاء المعلنين وغير المعلنين، وباتت تحتاج حلا سياسياً دونه عوائق في المدى المنظور. ذلك لأن خبز السياسة وملحها في لبنان هو هذه الحلقات المماثلة من سلسلة الخلافات التي لا تنتهي، ولا غاية لها سوى الخلافات نفسه.
من أول مفاعيل هذا النزاع تنامي الحديث في الأيام الأخيرة عن احتمال تطيير الانتخابات النيابية بعد إصرار وزير الخارجية جبران باسيل على اجراء تعديلات على القانون في موضوع «الميغاسنتر» والاقتراع في اماكن السكن. وهذا ما يرفضه الرئيس بري، مفضلاً عدم اجراء اي تعديل، خشية ان يجرّ هذا التعديل الى تعديلات اخرى تهدد القانون، مبديا خشيته من ان تكون الغاية من طرح التعديلات هي تطيير الانتخابات النيابية. ونقل زوار عين التينة أمس ان بري أكد لهم «انّ الانتخابات حاصلة في موعدها، ولا شيء يمنع عدم اجرائها، وعلى الجميع ان يبدأوا استعداداتهم لها».

توريث المناصب
في هذا السياق، أبدى مصدر سياسي مطلع في اتصال مع القبس استغرابه من «تضخيم الخلاف بين الرئيسين بري وعون واعتباره حدثاً استثنائياً في مسيرة الرجلين، في حين ان توافقهما هو الاستثناء». ويلفت المصدر ان مرسوم منح الأقدمية الذي أشعل الخلاف ليس سوى واجهة لمشكلة أعمق لن تشهد انفراجاً قريباً، بل انها لا تزال في بدايتها. ويرجح المصدر السياسي أن يكون انعدام المخارج الدستورية لهذه الأزمة متوافقاً مع رغبة الطرفين في استنفادها حتى النهاية على أبواب انتخابات نيابية يريد من خلالها الرئيس عون الوصول الى المجلس بأكبر كتلة مسيحية، كما يريد الرئيس بري تكريس زعامته الشيعية.
أما ما يحكى عن توظيف هذه الازمة من قبل طرفيها في معركتي رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس النيابي ففيه شيء من المبالغة وفق المصدر الذي لا ينفي رغبة الرئيس عون تعبيد الطريق الرئاسي أمام «وريثه»، رئيس التيار الوطني الحر ووزير الخارجية جبران باسيل، من خلال سعيه لتوفير غالبية له في المجلس النيابي تسهّل وصوله الى قصر بعبدا، غير ان المجلس النيابي المقبل ليس هو الذي ينتخب رئيس الجمهورية المقبل (المقررة في خريف 2022) الا في حال تم تأجيل الانتخابات النيابية لأشهر، وهذا التأجيل يتناقض مع ما أعلنته القوى السياسية، وفي طليعتها رئيس الجمهورية، بأن الانتخابات ستحصل في موعدها (مايو المقبل).

العلاج بالصدمة
في المقابل، يقلل مصدر مقرّب من عين التينة في اتصال مع القبس من حاجة الرئيس بري الى توظيف أي خلاف في إطار معركته على رئاسة المجلس النيابي المقبل. فلبنان هو بلد التوازنات الطائفية. الرئاسة الثانية كما الرئاستين الأولى والثالثة، هي مسألة وطنية، لكنها تخضع بالدرجة الأولى للمكون الطائفي الذي تمثله ولا تدخل في أي «بازار» مع الطوائف الأخرى. وبالتالي فإن رئاسة المجلس النيابي لا تؤرّق بري كما يريد أن يوحي خصومه.
ولا يخفي خشيته من ان ينسحب الخلاف «المستفحل» بين الرئاستين الأولى والثانية على عمل الحكومة، كما على ملفات حياتية واجتماعية ستظهر تبعاتها تباعاً، كما حصل في اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة تطبيق قانون الانتخاب؛ اذ أصر باسيل على ادخال تعديلات على القانون، في حين اعتبر وزير المال علي حسن خليل (حركة أمل) أنه لن يتم اعتماد أي تعديل واجراء الانتخابات في موعدها المحدد.
وعما إذا كانت الايام المقبلة ستشهد انفراجا على مستوى العلاقة بين عون وبري أم أن الامر مستبعد الى ما بعد الانتخابات النيابية ــــ علما بانه لم يسجل حتى الآن أي تدخل مباشر لــ «حزب الله» لتهدئة التوتر على خط حليفيه ــــ قال المصدر المطلع «أعتقد أننا نحتاج الى صدمة بحجم استقالة الحريري لتعيد وصل ما انقطع بين بعبدا وعين التينة».

المستقبل ــــ القوات
في موازاة التوتر القائم على خط بعبدا ـــــ عين التينة، لم يسجل أي تقدم على خط الوساطات في العلاقة المأزومة بين تيار المستقبل وحزب القوات اللبنانية والناجمة من ذيول أزمة استقالة الحريري قبل حوالي شهرين. فعلى الرغم من تأكيد الطرفين على تفعيل قنوات التواصل في ما بينهما وإصرارهما على ان ما يجمع بينهما أعمق من سوء تفاهم ظرفي، إلا ان اللقاءات بين الجانبين على مستوى وزاري عبر وزيري الثقافة والاعلام غطاس خوري (مستقبل) وملحم رياشي (قوات)، لم تمهد لتنقية الاجواء وتمهد للقاء يجمع الرئيس الحريري برئيس حزب القوات سمير جعجع. مصادر القوات تؤكد لـــ القبس ان هذا اللقاء ليس مطروحا في الأيام المقبلة، وتلفت الى أن قرار القيادة القواتية هو تنظيم الخلاف في ما المطلوب معالجة «الندوب» في هذه العلاقة التي تحتاج أكثر من مجاملات شكلية.

تمادي التصدع
بعكس خلافها «المنتظم» مع «المستقبل»، تتجه علاقة القوات اللبنانية مع التيار الوطني الحر نحو مزيد من تصدع بات يصعب التحكم به، على مستوى القواعد الشعبية كما على مستوى القيادات. في حين لم يعد خافياً ان الفريقين يحشدان انتخابيا لمعارك تحديد الاحجام. وفي جديد السجال المتصاعد ما قاله أمس المرشح المدعوم من القوات اللبنانية زياد حواط (رئيس بلدية جبيل السابق) إنه يتمنّى على وزير الخارجية جبران باسيل أن يبدأ بالإصلاحات التي يتحدّث عنها في الوزارات التي في عهدة «الوطني الحر».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق