فنيات

مثقفون يطرحون قضايا العقل والحرية والتربية

استضفت لقاءً حواريًا حول العوامل المؤثرة في تشكل الوعي لدى الشباب يوم الثلاثاء 2017/12/27، كان المتحدثون الرئيسيون فيه: د. الزواوي بغورة – أستاذ الفلسفة بجامعة الكويت، والكاتب والناشط ثقافيًا فاخر سلطان، والناشطة السياسية عالية فيصل الخالد. وحضره شريحة من المواطنين والمقيمين. وتمايزت أعمارهم وخبراتهم في مجال العمل والثقافة. وكان الحضور سعيدًا بمشاركة الأخ الكبير عبدالله النيباري. كما حضره وشارك بالتعقيب سفير الكويت في فرنسا سامي السليمان.

أشكال الوعي
كان الحوار جميلاً لتنوع الرؤى في معالجة موضوع تشكل الوعي لدى الشباب وأثره في تحديد التوجهات المستقبلية لدى الشباب. وقد بدأ الحوار بتساؤلات حول: ماذا نعني بالوعي؟ وحدده الأستاذ بغوره بكونه فعل يتجسد في الذات الإنسانية. وتحديدًا، رأى الدكتور بغوره أن:
«الوعي هو مجمل العمليات العقلية التي تساعد الإنسان على فهم ذاته وغيره ومحيطه، ويتعارض مع حالات اللاوعي والاغتراب والحلم، ويختلف عن العقل والذكاء الاصطناعي. وتسهم في تكوينه عوامل كثيرة أهمها الأسرة، والمدرسة، والمجتمع بمختلف مؤسساته، وبخاصة وسائل الإعلام، لكن مع ذلك يبقى وعيًا ذاتيًا. والدليل على ذلك، أننا نتلقى تعليمًا مدرسيًا موحدًا في الغالب، إلا أننا نتفاعل معه بطرق ومختلفة. وللوعي مستويات أساسية أهمها، الوعي العادي المعني بالحياة اليومية، والوعي الأيديولوجي الذي يظهر في أشكال التعبير السائدة، والوعي النقدي الذي يحاول إعادة النظر في مختلف أشكال الوعي، بغية الوقوف عند حدودها وتجاوزها نحو الأحسن والأفضل».

بين رجل الدين والأسرة
أما الكاتب فاخر سلطان، فقد ركز في حديثه على سلطة رجل الدين في تشكل الوعي لدى الشباب من خلال تأثير هذه السلطة في المسائل السياسية والاجتماعية والفكرية المتداولة بين الشباب، وأضاف:
«أصبحت سلطة رجل الدين الفاصلة في العديد من القضايا والنزاعات حتى أصبحت هذه النزاعات دينية قاطعة بدل أن تكون دنيوية بشرية، فكانت من نتائجها السيطرة على وعي الشباب».
أما الناشطة عالية الخالد، فقدمت نموذجًا شارحًا تَشكُّلَ الوعي من خلال الأسرة الصغيرة والكبرى والمجتمع، مبينة التفاوت الكبير بين توجهات الوعي عندما تكون الأسرة متفتحة، زارعة الثقة في وعي أبنائها، وبين أن تكون مغلقة تزرع الخوف في وعي أبنائها. كما أنها ربطت بين مستوى الوعي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية.
ورأت «ان التنمية هي خطوات تقدمية نحو الأمام أو الارتقاء. وهذا يعني تغييراً يحصل من خلال جهود وبراعة أفراد ولا تتحقق الا بتوافر وعي بالذات لدى الفرد. فالبداية الصحيحة تنطلق من الفرد ذاته ويكون ذلك بوصلة معرفية توجهه إلى المسار الأمثل».

مفهوم العقل
هذا وأشرت بدوري إلى التباين بين المفهوم الفسيولوجي للوعي من ناحية، والفلسفي من ناحية أخرى. فالدماغ لا يميز الإنسان، فالحيوانات جميعًا لديها دماغ يتحكم في أعضائها وينسق بينها في الوظائف. فالدماغ عبارة عن صورة متناهية في التعقيد إذا ما قورن بأجهزة التحكم في مصنع للبتروكيماويات مثلاً. لكن ما يميز الإنسان أن العقل الذي يرى المخصصون في علم الأعصاب أو ربما علوم الكمبيوتر عبارة عن إنتاج الفكر من الدماغ، عندما يتحول الدماغ الحيواني إلى دماغ بالغ التعقيد لدى الإنسان منتجًا الوعي. قد لا يعجب هذا الكلام الذين يضعون قدسية خاصة على عقل الإنسان، كما في قوله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولاً» (72 – الأحزاب) وقد ورد في التفسير لهذه الآية الكريمة: «اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فقال بعضهم معناه: إن الله عرض طاعته وفرائضه على السماوات والأرض والجبال على أنها إن أحسنت أثيبت وجوزيت، وإن ضيعت عوقبت، فأبت حملها شفقًا منها ألا تقوم بالواجب عليًا وحملها آدم..».
لكن هل يمكن للإنسان أن يقدم الطاعة ويؤدي الفرائض بدون عقل. لذا فإنه يمكن استنتاج أن المقصود بالأمانة في قوله تعالى هذا هو العقل. وعلاقة العقل بالوعي سببية متبادلة، فالعقل هو العمليات العقلية المشكلة للوعي.

مداخلات

وكانت هناك مداخلات مميزة من السفير سامي السليمان الذي وضح دور الدولة في رفع مستوى الوعي من خلال الإعلام والتعليم. أما الدكتور مجدي من قسم الفلسفة في جامعة الكويت فقد وضح تعقيبًا على ما طرح من وجود عقل عربي، بأنه في الحقيقة بأن المعرفة الإنسانية واحدة وليس هناك ما يمكن أن نطلق عليه عقلاً عربياً. وقد وضحت له أن تعبير العقل العربي كما استخدمه محمد عابد الجابري في أكثر من كتاب له، يجب أن يوجد مجازيًا. فالجابري ربما قصد شرح المناهج الفكرية التي شكلت الوعي في القرون الهجرية الأولى.
أما الدكتورة ليلى المالح – أستاذة الادب الإنكليزي في جامعة الكويت، فقد أثارت بأن لا وعي من دون حرية. فالحرية في المجتمع شرط أساسي لتنمية الوعي بالذات وبالمحيط، وانتقدت التناقض الذي نعيش فيه. فنحن من ناحية ندعم الحرية، ونربي أبناءنا على العيش في كنفها، ومن ناحية أخرى، نحذرهم أن يعبروا عن رأيهم بحرية مخافة طغيان السلطة أو المجتمع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق