خارجية

«فتح» تقبض على منظمة التحرير

قررت حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية مغادرة مربع المراوحة، باتخاذهما الأسبوع الماضي قرارين مهمين ستكون لهما نتائج وتداعيات على الحركة وعلى الوضع الفلسطيني برمته تحسباً للقادم من استحقاقات سياسية بالغة الحساسية والتعقيد، حيث تمثل القرار الاول، بتكليف لجنة النظام الداخلي بتقديم اقتراحاتها لإيجاد مخرج مرضٍ لجميع الأطراف، بشأن ملف خلافة الرئيس محمود عباس بزعامة فتح في حال ما يسميه النظام الداخلي للحركة الغياب القهري للرئيس.
وقالت مصادر المجلس الثوري لـ القبس ان النقاش بهذا الشأن افرز مواقف عدة متصادمة، حيث اعتبر البعض أن المجلس هو الجهة المعنية، وبالتالي فهو من يقرر في حال غياب الرئيس من سيخلفه في زعامة «فتح»، في حين دعا آخرون إلى عقد مؤتمر استثنائي للحركة لانتخاب رئيس جديد في غضون فترة من شهر الى 3 أشهر، بينما قال الرأي الثالث ان منصب نائب الرئيس ليس شاغراً، ويشغله حالياً عضو اللجنة المركزية محمود العالول، ومن الطبيعي ان يخلف الرئيس في المنصب»، غير ان هذا الرأي اصطدم بعقبة قرار سابق للجنة المركزية بانها انتخبت العالول لمدة عام، كتسوية مؤقتة مع زميله جبريل الرجوب الذي نافسه بقوة على هذا المنصب، وتم انتخاب الأخير للمدة ذاتها في منصب أمين سر اللجنة المركزية على ان يجري بعد عام (نفذ الشهر الماضي) تدوير مهمات أعضاء اللجنة المركزية.
وبغض النظر عن التوصية التي ستقدمها اللجنة المكلفة بايجاد مخرج لموضوع «الغياب القهري للرئيس»، فإن عدم استطاعة المجلس الثوري اتخاذ القرار يشير الى سخونة معركة خلافة عباس في زعامة «فتح» بين اقطابها، التي تمهد لمن يتولاها الطريق نحو زعامة منظمة التحرير ورئاسة السلطة، رغم أن الاعتبارات والظروف والأطراف الفاعلة التي تحدد هوية من يشغل هذين المنصبين مختلفة عن اعتبارات تولي منصب رئاسة الحركة.

ترميم الشرعية
وتمثل القرار الثاني الذي اتخذته اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بتحديد موعد انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في 30 أبريل المقبل للأسباب السالفة الذكر ذاتها، مضافاً إليها رغبة «فتح» في تعزيز قبضتها على مكونات النظام السياسي الفلسطيني قبل وقوع أي فراغ، ومحاولة ترميم الشرعية المتآكلة للمنظمة ومؤسساتها، وخطوة استباقية لفرض نوع من الأمر الواقع يصعب تجاوزه في مواجهة حركة حماس المنافسة والمتوثبة لوراثتها.
وقالت مصادر مطلعة إن قيادة فتح وبخاصة لجنتها المركزية، وباجماع نادر اظهرت حماساً منقطع النظير لعقد المجلس الوطني، لانه بات شبه محسوم خروج عدد من اعضاء اللجنة التنفيذية الحالية لاسباب مختلفة، لا سيما أن بعضهم تجاوز سن الـ90، وبعضهم أقعده المرض، وآخرون خاصة من الأعضاء المستقلين باعدتهم الخلافات السياسية عن الحركة وفقد دعمها، وهو ما يعني أن عدداً وافراً من مقاعد التنفيذية بات معروضاً للتجديد.

معضلة كبيرة
ان عدم اجماع فتح على من سيخلف الرئيس عباس في مناصبه المتعددة ليس المعضلة الوحيدة التي تواجهها. فقرارها عقد المجلس الوطني في دورة عادية، اي بقوامه القديم، وقبل تنفيذ اتفاق المصالحة، يعني القفز عن مشاركة حركتي حماس والجهاد الاسلامي في أعمال المجلس، وتالياً في الهيئات القيادية المختلفة للمنظمة، وهذا سيضع المجلس أمام معضلة أشد وأعمق، وهي عدم توافر نصاب وطني حتى ولو توافر النصاب العددي لعقده من خلال مشاركة اغلبية الفصائل الصغيرة، وهو ما سيلقي بظلال قاتمة على شرعية ما سيتمخض عنه من نتائج، وما يسفر عنه من انتخاب قياديين جدد، ستكون عرضة للطعن بشرعيتها، وبالتالي سيتحول انعقاد المجلس من أحد المداخل المفترضة لانهاء الانقسام الى باب واسع لتدفق المزيد من اسباب تعميقه.
وبالتوازي مع ذلك، أعلنت حركة حماس رفضها لقرار عقد المجلس الوطني بهيئته وتركيبته الحالية، وعدّت ذلك خروجًا صارخًا عن الإجماع الوطني، مشددة على أن أيَّ قرارات تنتج عن هذا الاجتماع «لن تكون ملزمة ولا تمثل الشعب الفلسطيني»، كما أنها ستؤدي إلى مزيد من التشتت، وترسيخ صفحة الانقسام السوداء. في حين اعتبرت حركة الجهاد الإسلامي إن الدعوة إلى عقد الاجتماع غير مقبولة لانها بلا قيمة ونتائج حقيقية، وتجري وفق رؤية أحادية دون توافق، كما أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وهي ثاني أكبر فصيل بعد فتح من بين فصائل المنظمة التي أعلنت مقاطعتها لاجتماع المجلس لأسباب مشابهة.

حجج كافية
وتسارع فتح الى عقد المجلس وتجديد الهيئات القيادية لمنظمة التحرير، بحجة أن الوضع الفلسطيني أصبح في مواجهة استحقاقات سياسية كبرى وبالغة الخطورة طرحتها «صفقة القرن» واعتراف الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل سفارة بلاده اليها، اضافة الى مساعيه حذف ملف اللاجئين من جدول اعمال المفاوضات، ناهيك عن التحديات التي لا تقل خطورة والمطروحة من قبل حكومة الاحتلال الاسرائيلي، سواء بتسارع وتيرة الاستيطان على نحو غير مسبوق، وفرض القانون الاسرائيلي على مستوطنات الضفة الغربية، وتهويد القدس، وأخيراً وليس اخراً، سن الكنيست خلال الاشهر القليلة الماضية سلسلة قوانين تصب كلها في طاحونة تكريس الاحتلال والقضاء على «حل الدولتين»، حيث تعتبر هذه اسباب اكثر من كافية للسعي لتجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية في مواجهة التحديات السياسية المقبلة.
ولا تخلو هذه الحجة من وجاهة، فالأزمة السياسية التي تعصف بمصير القضية الفلسطينية لا تحتمل ترف المماطلة والتسويف بانتظار تنازل حركة حماس عن مصالحها الفئوية، وتنفيذ ما عليها من استحقاقات المصالحة بتمكين حكومة الوفاق من مد ولايتها على قطاع غزة، لكن عقد المجلس بقوامه القديم ومن دون مشاركة ثلاثة فصائل رئيسية، محفوف بخطر تغذية دوافع حماس المسيطرة على قطاع غزة نحو المزيد من التشدد، بالتالي فشل المصالحة المتعثرة أصلاً، وتعميق الانقسام، حتى ولو حسنت النوايا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق