فنيات

حمور زيادة وحجي جابر في محاضرتين: اكتب عما يعنيك

تتابعت فعاليات ملتقى الحكايا والحكائين، الذي يقام بمناسبة مرور سنتين على تأسيس مكتبة تكوين. وعلى مدى الأيام السابقة، أقيمت عدة محاضرات، تنوعت موضوعاتها وعناوينها، ولكنها التقت جميعا حول ثيمة الحكاية. إحدى هذه المحاضرات كانت للروائي السوداني حمور زيادة، وحملت عنوان «عالم آخر جميل وراء الجبال»، التي قال فيها إن الحكاية تنقلنا من وادي الواقعية اليومية، من همومنا، من هزائمنا، من ضعفنا، من خديعتنا لأنفسنا وللآخرين.
وأضاف: منذ اليوم الأول، عندما حكت الأنثى الأولى لطفلها حكاية النشوء: لماذا هم تحديداً، أسرتهم دون غيرهم من المخلوقات حولهم، يبدون مختلفين! من أين أتينا. لماذا الشجرة شجرة؟ ولماذا تكرهنا الأفاعي؟ منذ ذلك اليوم، في كهف بعيد، غالباً كان في مكان ما من أثيوبيا، استناداً للعلماء الذين يقولون بنظرية «الخروج من افريقيا»، منذ ذلك اليوم بدأت الحكايا.
منذ عرف الإنسان النار، ونحن اليوم نعرف جيداً ان الحكايات الأجمل تحكى في الظلام أمام النار. وعينا الجمعي مازال يذكر حكايات الأنثى الأولى داخل الكهف، إلى جوار النار.
وقال انه يحب أن يؤمن أنه يمتهن مهنة ابتدعتها النساء، وينتمي لطائفة كان أنبياؤها الأول النساء. أولائك النسوة الجالسات في كهف افريقي، بعد أن فنت الديناصورات، وبدأ أسلاف الانسان الأول في الانقراض، هن من اكتشفن ذلك العالم الجميل هناك وراء الجبال البعيدة، عالم الصور الملونة.
لذة الجمال
وقال إن الحكايا ليست أفيوناً، الحكاية لا تقدم عالماً وهمياً ملوناً يشغلنا عن الواقع. الحكايا ليست هلاوسنا، الحكاية تخبرنا عن العالم الآخر الجميل. الذي لا نراه، لا نعرفه.
وأضاف أن هذا العالم الجميل ليس عالما من الخير المطلق، فالحكايا محملة بالدم والهم والطين، مثل الواقع، لكنها محملة ــ بعكس الواقع ــ بلذة الجمال. كل ما فيها جميل. حتى اشتعال النيران وانتشار الأوبئة وخيانة الحبيبات. الحكايا، الفن الأول في التاريخ، تملأ شرايننا بالجمال مهما حدثتنا عن القبح. لذلك فهي عندما تنشئ عالماً سردياً داخل وعيناً، فإنها لا تعمل على نقل الواقع، ولا تحليل الواقع، ولا تفكيك الواقع، إنما تنشئ واقعاً موازياُ يفوح بالنشوة، ويعبق باللذة.
هذا سر الفن. لا يحتاج الى أن يكون موضوعياً، ولا دقيقاً، ولا معرفياً، يحتاج الفن فقط، من دون أي شروط أخرى، أن يكون ممتعاً.
كيف تحكي قصة؟
الروائي الأرتيري حجي جابر قدّم محاضرة «كيف تحكي قصة؟»، قدم فيها عدة محاور لتقنية كتابة القصة، أو ربما إرشادات للكاتب الجديد ولخصها في هذه النقاط:
غامر بأن تكون أنت
اكتب عمّا يعنيك، ما يخصك، ما تحب وما تكره، اكتب مخاوفك، لامس هواجسك، لا تبحث فقط عن قصة مسليّة أو مؤثرة، نعم هذا مهم، لكنّ الأهم أن يعنيك الأمر، أن يؤرقك، حتى لو كانت محض طرفة، سيظهر دائماً ما إذا كنت حكّاء أصيلاً أم مجرد ناقل، ما إذا كان الأمر حكياً أم محض تقليد رديء لساعي البريد.
امضِ قدماً
استحضر دائماً وأنت تكتب احساسك الداخلي بالتقدم. كل جملة ومشهد وفصل يجب أن تخدم فكرة أخْذ النص إلى الأمام. التشويق في أحد صوره هو تلك الحركة التي تختزنها الكلمات، ذلك اللهاث الذي ينتقل إلى القارئ، حتى لو كان تأملاً. هذا من شأنه أن يحميك من الوقوع في المحظور بأن تقول شيئاً تقصد به لاشيء، بأن تكتب شيئاً فائضاً عن الحاجة.
أنت القارئ الأول
لا تتخلّى وأنت تكتب عن القارئ الشرس والمتطلّب والملول بداخلك. اسأل نفسك دائماً: ماذا لو كان النص لغيري، هل سيعجبني أم سيدهشني.. أم سأتوقف عن القراءة وحسب. هذه القسوة قد تضمن أعلى درجات الجودة.
لا تنس الإيقاع
وظّف اللغة للتحكم في إيقاعك الكتابي. الجملة الفعلية القصيرة تمنح شعوراً أكبر بالحركة، بينما الاسمية والطويلة تصلح للاسترخاء والتأمل، الوعي بهذا الأمر يزيد من سيطرتنا على النص وتوجيهه.
العب بالاحتمالات
ليست القصص البوليسية وحدها التي تخاتل القارئ وتخدعه. نحن عادة ما ننثر إشارات بغية التمهيد للأحداث، لكننا هنا سنزرع إشارات مضللة وشهود زور لحرف القارئ لمسارات أخرى قبل أن يفاجأ بالوجهة التي اخترناها.
خطّط قبل الكتابة
من شأن تصوّر النص قبل كتابته أن يزيد من سيطرتنا عليه ويمكننا من اللعب بالاحتمالات. نصبح حينها كالممسك بالدمى يحركها كيف يشاء، يرى ما يحدث وما سوف يحدث. حينها يصبح الكذب مريحاً ومتقناً، وما نحن إلا كذبة، فلنفعل ذلك إذاً ببراعة.
تخيّل جسد النص
الوجه هو متن الحكاية، وهو أول ما سيلفت انتباه القارئ، لكنّ الوجوه الجميلة وحدها لا تكفي، أي نقص أو تشوّه في الأطراف سيصرف النظر عن جماله. طعّم نصّك بالحكايات الجانبية، بالفنون والالتقاطات الإنسانية، ضع تجربتك الحياتية، ضع بصمتك الفارقة، والحديث عن جمال الوجه/ المتن، يعني القوة والتأثير سواء بالجمال أو البشاعة. المهم ألا تخلق وجهاً عادياً نقابله كل يوم.
لا تغلق الدوائر
لا تتم الحكايات، لا تتخمها، لا تصل للنهايات، للخلاصات. الفن ألا نصل، اترك ذلك للقارئ، راعِ الصمت والفراغات، وأشرك القارئ في عملك ليكمل هو المسيرة. احترم ذكاءه ودع له ما يكتشفه أو يكمله بنفسه. اترك شيئاً لمتعة التأويل.
ليست العين وحدها
القارئ يستخدم بصره في تلقّي حكايتك، لكنك لا تكتب لعينه فقط، أشرك بقية حواسه. كلما تزاحمت الحواس على نصك كان الوقع أكبر، هذا نحتاجه أكثر في الوصف. الروائح والألوان والأصوات والملمس.. كل ذلك يجب أن يكون حاضراً بشكل مدروس.
بالمحو يحدث الكمال
مراجعة الرواية هي الكتابة الحقيقية، حين تراجع الرواية قبل الدفع بها للناشر ضع في اعتبارك أن الكمال لا يحدث حين لا يبقى ما يمكن إضافته، بل حين لا يبقى ما يمكن حذفه. تخلّص من الفائض، تذكر أن القارئ هارب على الأغلب من حياة تعجّ بالترهل، وهو لا يتوقع منك تكرار ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق