اقتصاد

«بلوك شين» ستغير النظام المالي العالمي

مع اجتياح هوس التشفير للعالم، تشجعت بعض البلدان لفكرة إصدار العملات الرقمية المشفرة الخاصة بها وتدعيمها بالتقنية الثورية «بلوك شين»، والتي قامت على أساسها العديد من هذه الأصول وأبرزها «بيتكوين». وفي الوقت الحالي، تلقى الفكرة قبولا أكبر بين أوساط الحكام الأوتوقراطيين الذين يتطلعون إلى التهرب من العقوبات الدولية أو تقويضها، والتي عادة ما تفرض من خلال النظام المصرفي العالمي، بحسب تقرير لـ«بلومبيرغ».
ولكن المدافعين عن العملات الرقمية المدعومة من الحكومات يقولون إن نمو هذا التوجه وهو أمر لا يمكن ضمان حدوثه بالطبع، قد يتسبب في تغير النظام النقدي الدولي برمته بلا رجعة.

من يدفع الفكرة؟
تطور فنزويلا عملتها الخاصة تحت اسم «بترو» والتي ستدعم قيمة كل وحدة منها ببرميل نفط، ووفقا لرئيس البلاد نيكولاس مادورو المتحمس للفكرة، نجحت بلاده في جمع 735 مليون دولار في اليوم الأول من طرحها للبيع الأسبوع الماضي. ويرى مادورو أن العملة سيكون لها تأثير كبير على كيفية وصول فنزويلا للنقد الأجنبي والحصول على السلع والخدمات من جميع أنحاء العالم، ولكن مع الإشارة إلى أن أحد أسباب نقص الدولار في بلاده هي العقوبات الأميركية، فالنجاح لا يبدو مضموناً.
ولا توجد آلية لتداول العملة الرقمية مقابل الخام أو غيره من الأصول الصعبة كما تصور خطة مادورو، وأعلن برلمان البلاد الذي تسيطر عليه المعارضة عدم مشروعية «بترو».
كما يخطط البنك المركزي الروسي لإجراء محادثات مع دول بينها البرازيل والصين والهند والجمهوريات السوفياتية الخمس السابقة حول إنشاء عملة رقمية، يمكن استخدامها في هذه البلدان التي تشكل %40 من سكان العالم. وكتب نائب محافظ بنك الشعب الصيني فان يفي مقالا طرح فيه إمكانية إصدار عملة رقمية بالتعاون مع المؤسسات التجارية في البلاد.
وفي السويد، حيث يتلاشى الاعتماد على النقد، يدرس البنك المركزي إصدار عملته الخاصة أيضاً، تحت اسم «الكرونا الإلكترونية»، ولكن يقلقه الاستخدام الواسع للعملات الافتراضية الأخرى واحتمال إضرار ذلك بالقدرة التنافسية له.
ولكن ألا يعني تشفير تلك العملات أنها أصول غير حكومية؟ حتى الآن نعم، فعملات مثل «بيتكوين» وشبيهاتها طورت بشكل مستقل بعيدا عن أعين السلطات المركزية، ولكن تكنولوجيا «بلوك شين» الداعمة لمعاملات كل هذه الأصول لا تمنع المركزية.
ومن الناحية النظرية، يمكن للحكومات فرض سيطرة على العملات الافتراضية أكبر من نظيراتها الورقية، لأن الأولى تحفظ جميع تعاملاتها بدفاتر «بلوك شين».

استفادة السلطات
ستكون عملية تنظيم العرض النقدي عبر تغيير أسعار الفائدة (السياسة النقدية) مباشرة بشكل أكبر، مما يعني زيادة فعاليتها، كما ستتمكن الحكومات من التصدي للتهرب الضريبي، لأن جميع المعاملات ستكون قابلة للتتبع.
بالإضافة إلى ذلك، تحظى «بيتكوين» بشعبية كبيرة جداً بين أولئك الذين يتطلعون للتملص من رقابة السلطات المركزية. وبالتالي، تبدو فكرة إطلاق عملة رقمية جذابة لأي حكومة غير منسجمة مع النظام المالي العالمي.
وتحاول الولايات المتحدة فرض العقوبات عن طريق منع البنوك والشركات من التعامل مع الدولة المستهدفة من قبل النظام المالي الأميركي، ويمكن تعقب المخالفين عبر معاملاتهم في النظام المصرفي الدولي. ولكن إذا كانت لدى الحكومة عملة رقمية خاصة بها، فإن معاملاتها قد لا تكون قابلة للاكتشاف من جانب الولايات المتحدة.
وتوفر «بيتكوين» سبيلا مناسبا للالتفاف على العقوبات أيضا، ولكن الحكومات ستعاني من أجل اقتناء ما يكفي منها لتكوين حيازة مؤثرة، علاوة على ذلك فإن قيمتها متقلبة بشكل كبير.
يعتمد النظام المالي العالمي على عدد كبير من القواعد والمعايير والمؤسسات المتفق عليها دوليا، والتي تسمح للبلدان بالتجارة والاستثمار بعضها مع بعض. وتحظى الولايات المتحدة بدرجة كبيرة من السيطرة على هذا النظام، بفضل الأهمية البالغة للدولار والمصارف الأميركية داخله.
وإذا أنشأ عدد كاف من البلدان عملاته الرقمية الخاصة، فإنها ستعمل خارج هذا الإطار القائم، مما يقوض تأثير البنوك المركزية العالمية مثل الاحتياطي الفدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي.
ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للبنوك؟ مع ظهور العملات الرقمية الوطنية، فإن تقنية «بلوك شين» ستحل محل عملية المقاصة التي تعالجها البنوك التجارية الآن، وبالتالي ستفقد أحد أهم منابع الإيرادات، ولكن من المرجح احتفاظ المصارف بدورها في إصدار الرهون العقارية وأشكال الائتمان الأخرى. (أرقام)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق