خارجية

انتخابات تركيا 2018: كل ما تحتاج معرفته

باغت حزب العدالة والتنمية (الحاكم) في تركيا، بالتعاون مع حليفه حزب الحركة القومية (يميني قومي متطرف)، أحزاب المعارضة باتخاذ قرار التوجّه نحو انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة.
وبعد سنة من الاستفتاء الشعبي الذي أقر اعتماد النظام الرئاسي في تركيا، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تنظيم الانتخابات المبكرة يوم 24 يونيو المقبل، أي قبل سنة وخمسة أشهر من موعدها المقرر مسبقاً.
وتعتبر الانتخابات المقبلة حاسمة في تاريخ تركيا، لأنه من المقرر بعدها البدء بمنح رئيس الدولة مزيداً من السلطات وفق استفتاء 2017.
ومن المؤكد ان الدعوة للانتخابات لها علاقة بحسابات الربح والخسارة في المقام الأول، فالبعض رأى ان الحزب الحاكم بزعامة اردوغان يريد استثمار العملية العسكرية الناجحة في سوريا (غصن الزيتون)، كما انه يبغي تحقيق الاستقرار وإنهاء حالة الضبابية السائدة بخصوص الوضع الاقتصادي.
في المقابل، يرى المعارضون أنّ الانتخابات المبكرة سترسل رسالة سلبية عن وضع تركيا.
وفي هذا الملف نقدم للقارئ كل المعلومات التي يجب معرفتها حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا مرفقة ببعض التحليلات والتوقعات واستطلاعات الرأي التي غالبا ما فشلت في تقديم صورة دقيقة عن نتائج الانتخابات في تركيا، كما نسلط الضوء على المرحلة التي ستلي هذه الانتخابات مع دخول البلاد مرحلة النظام الرئاسي.

الانتخابات الرئاسية.. والمرشحون الـ 6

ستجري الانتخابات الرئاسية في تركيا للمرة الأولى بالتزامن مع الانتخابات البرلمانية، وذلك ضمن نظام الدورتين، فاذا فاز أي من المرشحين في الجولة الاولى من الانتخابات بأغلبية الاصوات (50 ٪ +١) فانه يصبح الرئيس الشرعي للبلاد مباشرة. لكن إذا فشل أي من المرشحين في الحصول على هذه النسبة، يتأهل الى الدورة الثانية المرشّحون الذين حصلوا على أعلى نسبتين في الجولة الاولى، ويفوز في الرئاسة المرشّح الذي يحصل على أعلى قدر من الأصوات في هذه الجولة.
وفقاً للقانون، من الممكن الترشّح للانتخابات الرئاسية عبر واحدة من الحالات التالية:

● إذا كان الحزب السياسي الذي ينتمي إليه المرشح قد امتلك %5 على الأقل من أصوات الناخبين في آخر انتخابات برلمانية.

● إذا كان للحزب الذي ينتمي إليه المرشح كتلة برلمانية.

● إذا جمع 100000 صوت من ناخبيه.

في المقابل، يدفع المرشّح من خارج البرلمان 131 ألف ليرة تركيّة، أي ما يساوي حوالي 31 ألف دولار. في حال ضمن الحصول على 100 ألف صوت، فان المبلغ سيردّ إليه بعد الانتخابات، أمّا اذا لم يضمن الحصول على 100 ألف صوت فسيتم تحويل المبلغ الى خزانة الدولة.

أبرز المرشحين للرئاسة
أقفلت أبواب الترشّح للانتخابات الرئاسية بتسجيل أسماء 6 مرشّحين تقدّموا خلال المهلة القانونية المتاحة، لعلّ أبرزهم:

● رجب طيّب أردوغان: عن تحالف الجمهور، الذي يضم حزب العدالة والتنمية والحركة القومية. أردوغان يبلغ من العمر ٦٤ عاماً، وهو زعيم حزب العدالة والتنمية والرئيس الحالي للبلاد منذ العام ٢٠١٤. يقود أردوغان التحوّل في النظام السياسي في البلاد الى النظام الرئاسي ويتبنّاه بقوّة.

● محرّم إنجه: عن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في البلاد. يعتبر محرّم من النواب القدماء في الحزب، عمره 53 عاماً، وهو أستاذ فيزياء سابق. تعهّد إثر ترشّحه للانتخابات الرئاسية بأنّ يكون رئيساً لكل الأتراك، وفي تعبير منه عن ذلك، نزع شعاره الحزبي ووضع شعار الجمهورية التركية، وهو يقود المطالبة بإعادة النظام السياسي في البلاد الى النظام البرلماني.

● ميرال اكشينار: عن حزب «إيّي». تبلغ من العمر 61 عاماً، استبعدت من حزب الحركة القومية في سبتمبر 2016 إثر خلاف داخلي بعد فشلها في انتزاع رئاسة الحزب. يراهن كثيرون على انّها ستكون منافساً قويّاً لأردوغان. يلقبها البعض بالمرأة الحديدة، وسبق لها ان شغلت منصب وزير الداخلية، ونائب رئيس البرلمان.

● صلاح الدين ديمرتاش: عن حزب الشعوب الديموقراطية الكردي. يبلغ من العمر ٤٥ عاماً، وهو كان قد درس الحقوق في جامعة انقرة. تزعّم ديمرتاش الحزب سابقاً، وترشّح عنه في الانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٤، التي جرت للمرة الأولى بالاقتراع الشعبي المباشر. احتل ديمرتاش حينها المرتبة الأخيرة، لكن سرعان ما بدأ يتجاوز الخطوط الحمراء في السياسة التركية من خلال التحريض غير المباشر على دعم حزب العمال الكردستاني لاسيما بعد معركة عين العرب (كوباني) في سوريا في عام ٢٠١٥. يقبع ديمرتاش حالياً في السجن في إطار محاكمة تتعلق باتهامات موجهة اليه بدعم الإرهاب والتحريض على الكراهية والحض على العنف.

● تمل كرم مُلاّ أوغلو: عن حزب السعادة المحافظ، الذي ورث توجهات الراحل نجم الدين أربكان. يبلغ عمر تمل ٧٧ عاماً، كان قد أنهى دراسة البكالوريوس والماجستير بالعلوم والتكنولوجيا في جامعة مانشستر، وعاد إلى تركيا عام 1967، وانخرط في العمل السياسي عام 1977.

● مرشّح حزب الوطن «دوغو بارينجاك»

أبرز الاستطلاعات

تشير أبرز نتائج استطلاع الرأي المتوافرة حتى الآن في ما يتعلق بهذين السيناريوهين، إلى انّ مرشّحة حزب «إيّي»، ميرال أكشينار، ستتفوّق على مرشّح حزب «العدالة والتنمية»، رجب طيّب أردوغان وذلك بفارق %0.5، وهي نتيجة تبدو غريبة بعض الشيء على اعتبار أنّ الأكراد لن يصوّتوا على الأرجح لها، فضلاً عن أنصار تحالف حزب العدالة والتنمية، وبالتالي سيكون من الصعب تصوّر إمكانية أن تحصل على هذا القدر الكبير من الأصوات. قد يفترض البعض انّ كل أصوات المعارضة ستذهب إليها في الجولة الثانية، وبالتالي فإنّ هذا الأمر ممكن، لكنّ هذه الخلاصة تتناقض مع نتائج استطلاعات الجولة الاولى التي تشير الى انّ مجموع كل الأصوات التي ذهبت الى مرشحي المعارضة لن تتجاوز %48.
وعليه، يبدو التصوّر الثاني أكثر واقعية مقارنة بالأوّل، وهو يشير بحسب نتائج استطلاعات الرأي، الى أن أردوغان سيواجه محرّم إنجة في الجولة الثانية وسيحصل على %55.1 من الأصوات مقابل %44.9 لمحرّم إنجة.

ماذا تقول استطلاعات الرأي؟ وكيف نقرأها؟

من المنتظر أن تعقّد التحالفات الانتخابية للأحزاب مهمّة مراكز استطلاع الرأي في رصد توجّهات العامة إزاء هذه التحالفات، وسبر معالم التحوّل في اتجاهات الناخبين، نظراً الى الفترة القصيرة المتبقية من جهة، ونظراً إلى عدم استقرار التوجهات العامة لدى شريحة واسعة من مؤيدي هذه الأحزاب من جهة أخرى، ذلك أنّهم وجدوا أنفسهم فجأة امام تحالفات تضم توجّهات سياسية وايديولوجية متضاربة ومتناقضة.
وعلى الرغم من انّ مؤسسات استطلاع الرأي، غالباً ما فشلت في ان تعكس النتيجة الأقرب للتوقّعات خلال الانتخابات الماضية، بسبب الانحيازات السياسية أو الايديولوجية لهذه المؤسسات أو الى رغبة منها في التأثير في الرأي العام بشكل عكسي لمصلحة الجهات المتنافسة، الا انّ نتائج الاستطلاعات المتوافرة لهذه الانتخابات المبكرة، على قلّتها، تبدو قريبة بعضها من بعض، الى حد كبير.
في ما يتعلق بالانتخابات الرئاسية، تجمع أبرز استطلاعات الرأي التي جرت قبل الإعلان عن تقديم الانتخابات الرئاسية وتلك التي جرت بعد الإعلان عنها إجماعاً على انّ هذه الانتخابات لن تحسم خلال الجولة الاولى، مما يعني انّ رجب طيب أردوغان لن يحصل على ٥٠٪+١ التي تخوّله الفوز مباشرة. أعلى نتيجة حصل عليها أردوغان وفق استطلاعات الرأي هذه قبل الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات كانت ٤٦.٦٪ في يناير ٢٠١٨، أمّا اعلى نتيجة تمّ تسجيلها له بعد الإعلان عن تقديم موعد الانتخابات فهي ٤٢.١٪.
وتعتبر هذه النتيجة مثيرة للاهتمام بالنظر الى الثقة التي يبديها بعض المسؤولين إزاء فوز أردوغان من الجولة الاولى، فهو يبقى المرشّح الاكثر شعبية في البلاد، كما انّ التحالفات الاساسيّة التي عقدها حزبه تهدف، على ما يبدو، الى تأمين أصوات إضافية للمرشّح الرئاسي مقابل مكافأة هذه الأحزاب بمقاعد في البرلمان، من خلال حزب العدالة.
الأمر الآخر المثير للاهتمام في نتائج هذه الاستطلاعات هو انّ المركز الثاني يتنقّل بين مرشّح حزب الشعب الجمهوري ومرشّح حزب إيّي، وهو ما يعني انّ التنافس الحقيقي سيحصل بين المرشّحين الثاني والثالث خلال الجولة الاولى. واذا لم يفز أردوغان من الجولة الاولى، فهذا يعني أنّنا سنكون على الأرجح أمام السيناريوهين: أردوغان في مواجهة إنجة، أو أردوغان في مواجه أكشينار.

الأحزاب المشاركة في الانتخابات.. وتوجُّهاتها السياسية

حزب العدالة والتنمية AK PARTI:
حزب سياسي، تم تشكيله عام 2001، من قبل النواب المنشقّين عن حزب الفضيلة الإسلامي، ويصنّف على أنه حزب محافظ ــــ وسطي، يتبنّى سياسة العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية. شارك الحزب في أول انتخابات برلمانية له في عام 2002، بقيادة عبدالله جول بسبب الحظر المفروض حينها على رئيس الحزب رجب طيب أردوغان، ولا يزال في السلطة منذ ذلك الوقت.
حزب الشعب الجمهوري CHP:
أنشأه مصطفى كمال أتاتورك عام 1923، وبقي الحزب الوحيد الحاكم في البلاد حتى عام 1950. يعد الحزب من أحزاب اليسار ــــ الوسط، وهو عزب علماني أتاتوركي، ينادي بالديموقراطية الاجتماعية. يعتبر أكبر حزب معارض في البلاد، حصل في الانتخابات الأخيرة على %25 من مجمل الأصوات بـ132 مقعدا. يترأس الحزب حالياً كمال كيليتشدار أوغلو.
حزب الحركة القومية MHP:
حزب قومي ـــــ أقصى اليمين. تأسس في عام 1969، كامتداد للحركة القومية في تركيا، يعارض منح الأكراد المزيد من الحريات الثقافية. ساند الحزب في استفتاء التعديلات الدستورية عام 2017 حزب العدالة والتنمية، كما أعلن دعمه لترشيح الرئيس أردوغان، في الانتخابات الرئاسية. يمتلك الحزب حاليا في البرلمان 80 نائبا، ويتزعمه دولت بهتشلي.
حزب «إيّي» IYI:
حزب قومي يمني منشقّ عن حزب الحركة القومية، وهو من أحزاب يمين ــــ الوسط المحافظ. تأسس عام 2017، على يد وزيرة الداخلية السابقة ميرال أكشينار، التي أعلنت عن ترشّحها للانتخابات الرئاسية. يعارض الحزب توجّهات الحزب الحاكم ويطالب بصياغة دستور جديد لتركيا وإعادتها الى النظام البرلماني.
حزب الشعوب الديموقراطي الكردي HDP:
تأسس عام 2008 تحت اسم «حزب السلام والديموقراطية»، وهو حزب يساري غالبية أعضائه من الأكراد، أعاد تشكيل نفسه عام 2012 تحت اسم «حزب الشعوب الديموقراطي». يترأس الحزب كل من صلاح الدين ديمرتاش وبرفين بولدان، ويقضي ديمرتاش حكما بالسجن بعد إدانته بتهمة «تحقير الأمة التركية». يُتّهم الحزب بالتحريض على الاحتجاجات وأعمال العنف التي شهدتها تركيا عام 2014، ويمتلك الحزب في البرلمان 80 نائبا.
حزب السعادة SP:
حزب سياسي محافظ، منبثق عن حزب الفضيلة الاسلامي الذي كان يتزعمه رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، الذي تم حله بقرار من المحكمة الدستورية عام 2002، ويتزعم الحزب حاليا تمل كرم مُلا أوغلو. سعى الحزب الى استمالة أتراك الخارج والتجار ورجال الأعمال والفئات المتدينة، إلا أنه عجز عن الدخول الى البرلمان في انتخابات 2015 وحصد نسبة أصوات تقل عن %3.
الحزب الديموقراطي DP:
حزب يميني محافظ، تأسس عام 1946، على يد جلال باير، وهو الحزب الذي نازع حزب الشعب الجمهوري في عام 1950، حيث حكم عدة مرات، ومن أبرز مؤسسيه عدنان مندريس، وينتهج الحزب منهجا اقتصاديا ليبراليا.
حزب تركيا المستقلة BTP:
حزب يمينيّ محافظ، تأسس في عام 2011 بزعامة حيدرباش، ويعتبَر من أهمّ معارضي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فهو يؤمن بأنّ تركيا دولة شرقية إسلامية، ومكانها هو العالم الإسلامي والشرق، ويتبنّى سياسات معارضة للنظام الحاكم.
حزب الوحدة الكبير BBP:
حزب قومي يميني محافظ، ويعتبر أحد أجنحة الحركة القومية المعتدلة التي تميز بوجهها الإسلامي، وقد تأسس في عام 1993، ومؤسسه هو محسن يازجي اوغلو، الذي انفصل عن حزب العمل القومي. يتزعم الحزب حاليا مصطفى ديستشي وله مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، ويطالب الحكومة التركية بإلغاء المعاهدات العسكرية مع إسرائيل. انشقّ كثير من نوابه عام 2014 وانضموا الى حزب العدالة والتنمية، وتحالف مع حزب السعادة في انتخابات 2015، ودعم أردوغان في الاستفتاء عام 2017، وأعلن مؤخرا دعم الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية.
حزب وطن Vatan Partisi:
حزب عمالي يساري شيوعي تأسس في عام 1992، بزعامة دوغو بيرنشك، الذي ما زال على رأس الحزب، ويعارض الحزب سياسة الحزب الحاكم تجاه سوريا، ويقف مع النظام السوري، ويطالب دوما بإغلاق قاعدة انجرليك وطرد القوات الأميركية.
حزب الدعوة الحرة HUDA PAR:
حزب محافظ تأسس في عام 2013، مؤسسه محمد حسين يلماز، وزعيمه الحالي زكريا يابيجي أوغلو، وهو امتداد لــ«حزب الله» التركي. للحزب حضور قوي شرق وجنوب شرق تركيا ذات الأغلبية الكردية، وفلسفة الحزب قائمة على وحدة الشعب المسلم في تركيا بمختلف أطيافه، ومعارض بشدة لحزب العمال الكردستاني.

هل يمكن أن يخسر أردوغان؟

يرى أعضاء بارزون في حزب العدالة والتنمية أنّ المعركة الرئاسية ستؤول في نهاية المطاف الى مرشّحهم الرئيس رجب طيب اردوغان، وباحتمالٍ عالٍ جدّاً من الجولة الاولى، وهم مطمئنون الى هذا الأمر. منبع هذا الاطمئنان على ما يبدو عدم وجود منافس حقيقي لأردوغان، فأحزاب المعارضة لم تتّفق على مرشّح واحد بسبب خلافات تتعلّق بطموحات شخصية لكثير من قادة هذه الأحزاب، لا سيما زعيمة حزب «إيّي» (الصالح) ميرال أكشينار.
قبل عدّة أشهر، ضخّمت الصحافة الغربية من قدرة ميرال على منافسة أردوغان، وقد أدى ذلك، على ما يبدو، الى إقناعها بإمكانية تحقيق هذه الهدف الأمر الذي دفعها لترشيح نفسها للانتخابات الرئاسية منذ اليوم الاول. ويعتقد انّ هذه الخطوة عرقلت خطط الأحزاب المعارضة الأخرى، لا سيما حزب الشعب الجمهوري وحزب السعادة في الاجماع على مرشّح موحّد، مما أدى في نهاية المطاف الى دفع أحزاب المعارضة الى أن يرشح كلّ منها مرشّحه الخاص والمستقل.
وعلى الرغم من انّ بعض التحليلات قد روّجت على انّ مثل هذا الخيار سيؤدي الى تشتيت الأصوات بشكل يمنع أردوغان من الفوز في الدورة الاولى ويدفعه الى دورة ثانية تتّفق فيها الأحزاب المعارضة على دعم المرشّح المتبقي بغض النظر عن انتمائه الحزبي، وذلك لإسقاط أردوغان، إلاّ أنّ السيناريو الأرجح لما سيحصل هو العكس تماماً. إذ انّ تشتيت الأصوات سيحصل في جبهة المعارضة التي ستتقاسم أصوات بعضها بعضاً، الامر الذي سيؤدي الى اتاحة الفرصة لمرشّح تحالف حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية للحصول على الــ٥٠٪ + ١ المستهدفة.
حتى إن افترضنا فشل هذا الاحتمال، وتقدّم السيناريو الآخر الذي يتضمن تأهل ميرال إكشينار وأردوغان الى الدورة الثانية، سيكون من الصعب تصوّر أن تحصل ميرال على غالبية الأصوات، لا سيما أنّ غالبية الصوت الكردي معارض لهذه المرشّحة. وفي المقابل، هناك من يشير الى انّه اذا تحقق سيناريو صعود محرّم وأردوغان الى الدور الثاني، فستكون هناك فرصة أكبر لمحرّم من أكشينار، ذلك انّ محرّم ينتمي الى حزب قاعدته الشعبية أكبر، فضلاً عن ذلك فهو يراهن على كسب الصوت الكردي، ولذلك فهو طالب عند ترشّحه بانّ يتم إخراج مرشّح حزب الشعوب الديموقراطية صلاح الدين ديمرتاش من السجن، حتى تكون هناك منافسة حقيقية.

لمن سيصوِّت الأكراد ؟

يلفّ الغموض دور العامل الكردي في الانتخابات القادمة البرلمانية والرئاسية على حدّ سواء وذلك لكونه الأقل تفاعلاً مع التطورات السياسية في البلاد مؤخراً مقارنة بالأحزاب الأخرى. وكما في الانتخابات الرئاسية السابقة، رشّح حزب الشعوب الديموقراطيّة الكردي، زعيمه السابق صلاح ديمرتاش الذي احتل المرتبة الثالثة والأخيرة في الانتخابات الرئاسية لعام ٢٠١٤. يقبع ديمرتاش حالياً في السجن في إطار محاكمته المستمرة بتهم تتعلق بدعم الإرهاب والتحريض على الكراهية والحض على تنفيذ عمليات إرهابية.
يرى كثيرون انّ ترشيح الحزب الكردي له هو مؤشر على افلاس الحزب وانزوائه في حيّزه القومي الضيق، الامر الذي يساهم في زيادة عزلته. آخرون يضيفون الى ذلك انّ ترشيح الحزب لديمرتاش يحمل رسائل سياسية للخارج أكثر من كونه مشاركة حقيقية في التنافس على رئاسة الدولة، ذلك أن الحزب يريد ان يستغل المناسبة للقول إنّ هناك كرديا قيد المحاكمة في تركيا، والا فلا تفسير مقبول في إعادة ترشيح مرشّح كان قد خسر في الانتخابات الرئاسية السابقة امام نفس المنافس الرئيسي وبفارق كبير.
في المقابل، يعتقد مسؤولون في الحزب الكردي أنّ مرشّحهم سيحتل المرتبة الثانية في السباق الرئاسي، امّا بالنسبة الى الانتخابات البرلمانية، فهم واثقون بأنّ حزبهم سيتخطّى حاجز الـ١٠٪ التي تخوّله الدخول الى البرلمان وذلك دون الحاجة الى عقد أي تحالفات مع أحزاب أخرى، وأنّ هذه المعطيات سترسّخ تزايد قوّة العامل الكردي في الحسابات السياسية الداخلية. هناك مؤشرات تعمد ما يقوله هؤلاء المسؤولون فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، وحقيقة انّ الحزب الكردي عزل نفسه، فإنّه يراهن على جذب الصوت القومي الكردي من خلال اللعب على وتر المظلومية.
في مقابل هذه النظرة التفاؤلية، يمكن رصد حالة من الغموض فيما يتعلق بسلوك الناخب الكردي بشكل عام، وأيّ الأحزاب سيكون قادراً على كسب الصوت الكردي غير الموالي لحزب الشعوب الديموقراطية الكردي. حزب العدالة والتنمية الحاكم كان ولا يزال الحزب الأكثر قدرة على اجتذاب الشريحة الأكبر من أصوات هؤلاء الأكراد، لكن من غير المعروف ما اذا كان قد طرأ تحوّل مؤخراً على سلوك هذه الشريحة من الأصوات الكردية إزاء التوجهات الداخلية والخارجية لحزب العدالة والتنمية مؤخراً، وكيف ستكون ردّة الفعل الكردية على هذه التوجهات التي شملت التحالف مع حزب قومي معاد للصوت الكردي، بالإضافة الى تأثير العمليات العسكرية التي قامت بها القوات المسلحة التركية في الداخل السوري لا سيما في عفرين.
لا ينكر البعض داخل حزب العدالة والتنمية أنّ هذه التوجهات قد تكون تسببت بإزعاج لدى الناخب الكردي المؤيد لهم، لكنّهم لا يزالون يراهنون على تفهّمه لطبيعة التحالفات الانتخابية المؤقّتة، ويذكّرون بأنّ الصوت الكردي هو الذي رجّح الى حد كبير موقف حزب العدالة والتنمية في الاستفتاء الكبير الذي جرى في أبريل ٢٠١٧، وأنّه من غير المنطقي أنّ يتراجع الصوت الكردي المؤيّد للتعديلات الدستورية عن هذه التعديلات الآن ويصوّت ضدّها.
عموماً، يبدو من الصعب بمكان توقّع توجّهات العامل الكردي في الانتخابات المقبلة، لكن ممّا لا شك فيه أنّه سيبقى عاملاً مهمّاً سواءً فيما يتعلق بتحديد مصير الانتخابات الرئاسية لناحية مساعدة أردوغان على الفوز منذ الجولة الاولى، أو ربما حرمانه من ذلك ورفع حظوظ منافسيه. إذ من المتوقّع أن تنقسم أصوات الأكراد في الجولة الأولى بين أردوغان وديمرتاش، وإذا لم يفز أردوغان منذ الجولة الأولى، فإن الصوت الكردي سيكتسب أهمية مضاعفة. فإذا كان سيناريو المواجهة في الجولة الثانية بين أردوغان وإنجة، فهناك من يشير الى إمكانية أن يستطيع الأخير سحب العديد من الأصوات الكردية نظراً لخطابه التصالحي معهم، أمّا إذا كان سيناريو المواجهة بين أردوغان وأكشينار، فهل تستطيع الأخيرة سحب أي من الأصوات الكردية.
فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، فيكتسب الصوت الكردي أهمّيته لناحية مساعدة حزب الشعوب الديموقراطية الكردي على رفع عدد المقاعد التي يحظى بها في البرلمان، وبالتالي تمكين المعارضة من تأمين الأغلبية في البرلمان الجديد، أو ربما عدم تمكنه من ذلك، ثم ذهاب أصوات معتبرة الى حزب العدالة والتنمية، وأخيرا تحصيل المزيد من المقاعد الإضافية التي تؤمن له الأغلبية في البرلمان.

التحالفات في الانتخابات البرلمانية

تحوّلت تركيا من نظام الحزب الواحد، الذي أسسه أتاتورك، الى التعددية الحزبية بعد عام 1945. اذ شهد عام 1946 ظهور الحزب الديموقراطي، ثم سرعان ما بدأت الأحزاب تتكاثر حتى بلغ عددها 25 حزباً في عام 1950. ومع بدايات عام 2018، بلغ تعداد الأحزاب التركية 87 حزباً، إلا أن مجمل هذه الأحزاب ليس فاعلاً أو مؤثراً في الحياة السياسية التركية، وجلّها لا يخوض المعركة الانتخابية فضلاً عن انّ الغالبية العظمى ممّن يخوضون الانتخابات يفشلون في الوصول الى البرلمان.
وقد أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في 25 أبريل عن مشاركة 11 حزباً سياسياً في الانتخابات البرلمانية القادمة في ٢٤ يونيو ٢٠١٨ هي: حزب العدالة والتنمية، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، حزب الصلاح (الخير)، حزب الشعوب الديموقراطية، حزب السعادة، حزب الوحدة الكبرى، حزب تركيا المستقلة، حزب الديموقراطيين، حزب وطن، حزب هدى. أمّا التحالفات الانتخابية، فهي تضمّ تجمّعين كبيرين:
تحالف الجمهور/الشعب: وهو تحالف انتخابي تمّ إنشاؤه في فبراير ٢٠١٨، ويضم كلا من حزب العدالة والتنمية (الحاكم) وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبير، ويدعم التحوّل إلى النظام الرئاسي في البلاد.
تحالف الأمّة: وهو تحالف انتخابي تمّ إنشاؤه في مايو ٢٠١٨ بهدف مواجهة التحالف السابق، ويضم أحزاب المعارضة الرئيسية وهي: حزب الشعب الجمهوري، وحزب «إيّي»، وحزب السعادة، والحزب الديموقراطي، ويركّز على فصل السلطات والعودة إلى النظام البرلماني والديموقراطية التعددية والتوزيع العادل للثروة.

الآثار السياسية لتطبيق النظام الرئاسي

تطبيق النظام الرئاسي سيكون له نتائج إيجابية وسلبية في آن معاً. من إيجابياته أنّه سيساعد – وفق مؤيديه – على تجاوز العقبات البيروقراطيّة وعلى تسريع اتخاذ القرارات التنفيذية والخطوات اللازمة لتطوير الوضع السياسي والاقتصادي للبلاد. لكن في المقابل، سيؤدي ذلك الى حصر المساحة المتاحة لمختلف اللاعبين للاستفادة من النظام السياسي في البلاد والمشاركة في عملية صنع وتنفيذ القرارات. هذه النتيجة تعني أنّ غالبية اللاعبين على الساحة السياسية التركية سيصبحون عملياً خارج اللعبة. صحيح انّ عدد مقاعد البرلمان سيرتفع، لكن صلاحيات البرلمان في النظام الرئاسي بشكله الحالي محدودة مقارنة بما كان عليه في النظام البرلماني.
بمعنى آخر، من الممكن أن يؤدي الوضع الى ازدياد واتّساع معسكر الخاسرين والمتذمرين، وإذا لم يتم اشراك هؤلاء بطريقة او بأخرى في النظام السياسي، واحتواؤهم من خلال شراكات سياسيّة، فقد يتجّهون للعب خارج الإطار الذي يتيحه القانون لهم، وهو ما يعني انّ كثيرين قد تصبح لهم مصلحة في اختلاق الفوضى في البلاد. بمعنى اخر، سيكون هذا هو التحدي الأبرز للرئيس القادم في مرحلة ما بعد الانتخابات، فان نجح في هذه المهمّة فقد يساعد ذلك على الانتقال السلس والتأقلم مع النظام السياسي الجديد في البلاد، والا فانّ النظام سيعاني وكذلك البلاد، وقد ينجم عن ذلك مشاكل بنيوية تنتهي بشكل سيئ.
اما من الناحية العسكرية فمن المتوقّع ان تؤدي الانتخابات الى إعطاء الحزب الحاكم المزيد من الثقة بالنفس وكذلك المؤسسات التابعة للدولة وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، وقد ينعكس ذلك استعداداً متزايداً لاستخدام القوة الصلبة التركية على الصعيد الإقليمي لاسيما في سوريا والعراق. ويبدو انّ الرئيس أردوغان يتحرّك في هذا السياق انطلاقاً من ثقته بالفوز، اذ تحدّث مؤخراً عن المهام العسكرية التي تنتظر القوات المسلحة في سوريا وعلى رأس هذه المهام، الاستمرار في العملية العسكرية في إدلب ومن ثمّ تل رفعت ومنبج.

كيف سيتأثر الوضع الاقتصادي؟

يعاني الاقتصاد التركي من ضغوطات كبيرة مؤخراً وسط تراجع سعر العملة (الليرة التركية) وارتفاع نسبة التضخّم وتراجع حجم الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد. صحيح انّ إعلان تقديم موعد الانتخابات ساهم على ما يبدو في كبح وتيرة تراجع سعر صرف العملة، وفي تحقيق استقرار في هذا الصدد، الا انّ مفاعيل هذه الخطوة ستكون مؤقّتة على الأرجح، وسرعان ما ستكون هناك حاجة لمواجهة المشاكل المتفاقمة للاقتصاد، لا سيما لناحية جذب الاستثمارات الخارجية، وتخفيض معدّل التضخّم وتحريك العجلة الاقتصادية.
لا شك أيضاً في أنّ المستثمرين الخارجيين سينظرون الى العادات التي كانت سائدة في الفترة الأخيرة، فهل سيزيد التدخّل من قبل السلطة التنفيذية في القرارات التي يتّخذها الخبراء والمسؤولون الاقتصاديون في مواقع مختلفة، لا سيما في وزارة الاقتصاد وفي البنك المركزي، أم أنّ مثل هذا التدخّل سيتراجع وسيتح لهؤلاء الخبراء القيام بمهامهم؟ سيكون هنالك أيضاً ترقّب إزاء الأسماء التي ستحتل مواقع اقتصادية متقدمّة في البلاد، إذ عادة ما تمنح الأسماء مؤشرات حول الاطمئنان الى السياسة الاقتصادية والمالية في البلاد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق