اقتصاد

«الوطني»: مستقبلٌ واعد للنمو في مصر.. ولكن

قال تقرير لبنك الكويت الوطني إن الاقتصاد المصري تحسن بشكل جيد منذ اعتماد برنامج إصلاح اقتصادي طموح في أواخر 2016، مدعوم بتمويل من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار، حاز التقدم الكبير الذي أحرزه حتى الآن إشادة الجميع، بما يأذن ببدء مرحلة جديدة لمصر. وأضاف التقرير: بالفعل، فقد تحسن معدل النمو، وتقلص عجز الميزانية المالية، وبدأ معدل البطالة في التراجع، وانخفض مستوى الدين العام. وبالرغم من ذلك، فإن مصر ما زالت تواجه عددا من المخاطر، منها: تعرضها بشكل كبير للصدمات الخارجية، واستمرار التضخم المرتفع، وارتفاع تكاليف خدمة الدين. ولكن مع التنفيذ المتواصل للإصلاحات في ظل التحسن المستمر للمؤشرات المالية العامة وتطور البيئة التنظيمية وكذلك عملة أكثر تنافسية، فإن النظرة المستقبلية للسنتين القادمتين تبدو إيجابية.
وبلغ نمو الناتج المحلي %5.3 في السنة المالية 2017 / 2018، وهي أعلى وتيرة في عشر سنوات، وقد تواصَل النمو بنفس المعدل في الربع الأول من السنة المالية 2018 / 2019، المنتهي في 30 سبتمبر الماضي. فقد لقي النمو دعما بشكل أساسي من الارتفاع القوي في الإنفاق الاستثماري الحكومي، واستمرار الارتفاع في إنتاج الغاز الطبيعي، وانتعاش قطاع السياحة. ونتيجة لذلك، انخفض معدل البطالة إلى %10 في الربع الثالث من 2018 مقارنة بـ %11.9 خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
ولكن مؤشر مديري المشتريات تراجع مجددا إلى نطاق الانكماش في أكتوبر ونوفمبر ليصل إلى 48.6 و49.2 على التوالي، بعد أن أظهر ارتفاعا في الربع الأول من السنة المالية 2018 / 2019 بمعدل 50.5 (من يوليو إلى سبتمبر). ويشير ذلك إلى بعض الضعف في انتعاش القطاع الخاص غير النفطي، نتيجة بعض التحديات الاقتصادية التي استمرت في الضغط على الطلب.
ولكن في سياق التشديد النقدي العالمي والقلق بشأن استقرار الأسواق الناشئة، إلى جانب خطة الحكومة لخفض دعم الطاقة، فإن الاستهلاك الخاص ونشاط القطاع الخاص، سيبقيان على الأرجح تحت الضغط خلال السنة المالية الجارية. ولكن استمرار الاستثمار الحكومي القوي والتقدم المتواصل في الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز الاستثمار، بما في ذلك الاستثمار الاجنبي، سيدعم النمو في السنتين القادمتين. لذلك، نتوقع أن يبقى النمو قوياً عند حوالي %5.2 في السنة المالية 2018 / 2019 و%5.0 في السنة المالية 2019 / 2020.

التضخم أعلى من المتوقع
وأدى تلاشي تأثير تعويم الجنيه المصري إلى تراجع التضخم بشكل حاد من أعلى معدلاته التي بلغها عند %33 في يوليو 2017 إلى %11.4 في مايو 2018. غير أن التخفيضات الأخيرة في دعم الوقود والطاقة في منتصف 2018، قد رفعت التضخم إلى %17.7 في أكتوبر 2018، أي أعلى من معدل التضخم الذي يستهدفه البنك المركزي المصري والبالغ %13 (أقل أو أكثر بنسبة %3)، قبل أن يتباطأ إلى %15.7 في نوفمبر، على إثر انخفاض أسعار الغذاء والمشروبات بنسبة %1.8 مقارنة بالشهر السابق. أما التضخم الأساسي، فقد تراجع من %8.86 في أكتوبر إلى %7.94 في نوفمبر، وهو المعدل الأبطأ منذ مارس 2016، ليمنح بذلك مرونة نسبية للبنك المركزي المصري.
ويمكن أن يؤدي الارتفاع الأخير في الدولار الجمركي للسلع غير الأساسية من 16 جنيها مصريا للدولار إلى سعر صرف السوق القريب من 17.9 جنيها مصريا للدولار إلى رفع التضخم نوعا ما في الأشهر القادمة أو على الأقل إلى تباطؤ وتيرة تراجعه. كما ستؤدي على الأرجح التغييرات الأخيرة في آلية تحويل العملة الأجنبية إلى الجنيه، التي يحتاج بموجبها المستثمرون الأجانب إلى تأمين تحويل العملات الأجنبية في سوق الصرف بين البنوك (الإنتربنك) بدلا من البنك المركزي المصري، إلى المزيد من المرونة في سعر الصرف أو ربما بعض الضغط على سعر الصرف.
وبالإضافة إلى ذلك، ستبقى الأسعار على الأرجح عرضة للارتفاع في معظم 2019، خاصة إذا ما تم وقف دعم الوقود كليا والبدء بآلية الربط بالأسعار العالمية كما هو مخطط. كما نتوقع أن يتراجع معدل التضخم من %20.9 في السنة المالية 2017 / 2018 إلى %14 في السنة المالية 2018 / 2019، ولكن الكثير من عدم اليقين يحيط بكيفية تطور الأسعار المحلية اعتمادا على مجموعة من العوامل أبرزها، التغيرات المرتقبة لسعر الصرف وكذلك لأسعار النفط في الأسواق العالمية وفي محطات تعبئة الوقود.
السياسة النقدية مقيدة
ومع بقاء التضخم مرتفعا نسبيا، سيكون البنك المركزي المصري على الأرجح أكثر حذرا بشأن تسهيل السياسة النقدية. فقد يبقي أسعار الفائدة على حالها خلال السنة المالية الجارية عند %16.75 للإيداع لليلة واحدة و%17.75 لسعر الإقراض. وفي هذا السياق، تواجه السياسة النقدية معضلة صعبة. فمن ناحية، تحتاج لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لجذب رأس المال الأجنبي لخدمة حاجاتها المالية من العملات الأجنبية. ولكن من ناحية أخرى، تريد خفض تكلفة الاقتراض لتشجيع الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي، وكذلك لخفض خدمة الدين لتحقيق العجز المستهدف في الميزانية. ولكن من الحكمة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي أولا من خلال إبقاء التضخم تحت السيطرة، حيث سيُمهِد ذلك لخفض لاحق في أسعار الفائدة مما سينعكس إيجاباً على نشاط القطاع الخاص.
وتحسن الوضع المالي لمصر، يرجع ذلك بشكل رئيسي إلى ارتفاع العوائد الضريبية، وخفض دعم الطاقة واحتواء فاتورة الأجور. فقد تقلص عجز الميزانية من %10.7 من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2016/2017 إلى %9.7 من الناتج المحلي الإجمالي في 2017 / 2018، وما زالت الأرقام الأخيرة تشير إلى المزيد من التحسن. حيث تقلص العجز المالي بشكل طفيف من %2 خلال الربع الأول من السنة المالية 2017 / 2018 إلى %1.9 خلال الفترة نفسها من السنة المالية 2018 / 2019، الأمر الذي يفسح المجال للحكومة لبلوغ العجز المستهدف في الميزانية عند %8.4 للسنة المالية الحالية و%7 للسنة المالية 2019 / 2020.
وبناءً على المتغيرات الحالية، نظن أنه بالإمكان تحقيق الأهداف الخاصة بخفض عجز الميزانية، خاصة بعد التدهور الأخير في سعر النفط من 80 دولارا للبرميل إلى حوالي 60 دولارا، الأمر الذي خفف نسبيا الضغط على الحكومة المصرية. ولكن من المحتمل أيضاً أن لا تتمكن مصر من الالتزام بأهدافها المالية إذا ما ارتفعت أسعار النفط فوق سعر النفط المعتمد في الميزانية (ما بين 65 و67 دولارا للبرميل)، أو إذا استمرت تكاليف خدمة الدين الحكومي في الارتفاع تزامنا مع الارتفاع العالمي في أسعار الفائدة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق