خارجية

«القيصر» يتهيأ للعودة إلى الكرملين وعلاقته مع الغرب تزداد تدهوراً

فيما عم الصمت الانتخابي امس أرجاء روسيا، قبيل انطلاق الانتخابات الرئاسية اليوم، اتهمت موسكو واشنطن بالتدخل في الشؤون الداخلية الروسية، مشيرة في هذا الصدد إلى تصريحاتها الأخيرة حول الانتخابات الرئاسية.

واتهمت سفارة موسكو لدى واشنطن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت بالتدخل في شؤون روسيا الداخلية، وكتبت السفارة في تغريدة امس: «نيابة عن روسيا ـ ممثلة الخارجية الأميركية ضربت مثلا آخر في التدخل في شؤوننا الداخلية، بنشرها خبرا زائفا هذه المرة. إنها محاولة فاشلة لإلحاق الضرر بالديموقراطية الروسية، ولكن بلا جدوى والشفافية الكاملة في الانتخابات الرئاسية مضمونة».

وتنطلق اليوم الانتخابات الرئاسية التي يتنافس خلالها 8 مرشحين أبرزهم وأكثر حظا للفوز الرئيس فلاديمير بوتين.

وقد بات فوز بوتين بولاية رابعة محسوما، لكن الامر يتعلق بحجم الفوز ونسبة المشاركة الشعبية في انتخابات تبدو أقرب الى «استفتاء شعبي»، وعندما تنتهي ولاية بوتين الرابعة يكون رئيسا لروسيا لـ 24 عاما (2000ـ2024) لتفوق هذه الحقبة حقبة حكم القيصر الروسي الاخير نيكولا الثاني (1896ـ1917).

ووفقا لبعض المراقبين، عرف بوتين كيف يدير حملته الانتخابية ويقدم نفسه الى شعبه. تعامل مع انتخابات 2018 بعامل التشويق مع الروس. فهو عمد إلى جعل مسألة ترشحه من عدمها قبل أشهر محط اهتمام واسع، وحتى أسلوب الإعلان عن الترشح كانت فيه حنكة دعائية.

فقد عرف بوتين كيف «تؤكل الكتف»، فبالإضافة إلى البرنامج الاقتصادي والاجتماعي المهم الذي قدمه للسنوات الست المقبلة، لعب الرئيس الروسي على إثارة العصبية القومية للروس من خلال تقديمه للأسطول العسكري الجديد والمتطور لروسيا الذي لا مثيل له، كما استخدم مصطلحات تثير حماسة المواطن الروسي أعطت انطباعا بأن روسيا المستقبل قوية وقادرة ولا أحد يمكنه المس بها، بحسب محللين روس.

وثمة رئيس قوي لديه ما يكفي من المقومات التي تجعله «الزعيم المحبوب»، بصورة أكثر عصرية للتعبير الشهير في البروباغندا السوفيياتية، و«القيصر الجديد» وفق تعبير الصحافة الغربية، بدءا من الكاريزما الشخصية، التي يجمع عليها مناصروه وخصومه على حد سواء، مرورا بالقدرة على دغدغة المشاعر القومية للروس، بعدما أعاد لهم مكانتهم الرفيعة بين الشعوب، وصولا إلى رؤية استراتيجية مدعومة بالأرقام والمعطيات، والأهم مما سبق شبكة مصالح واسعة ضمن النخب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والدينية.

ويرى المحلل السياسي أندريه أونتيكوف أن بوتين، على عكس ما تبثه الدعاية الغربية، محط ثقة الشعب الروسي الذي يرى فيه الشخص الوحيد القادر على قيادة البلاد نحو مستقبل أفضل، والوحيد القادر على مواجهة الصعوبات والتحديات التي تواجه روسيا.

واضاف «الشعب الروسي يدرك أن البلاد تواجه تحديات على المستويات الداخلية، حيث الفساد المستشري والذي يحتاج إلى استئصال، والاقتصاد الذي يحتاج إلى خطط عملية لتطويره، خطوات واضحة وبناءة لتطوير روسيا. إضافة إلى الخارج، حيث هناك التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة، والعقوبات الغربية والأميركية».

ولكن رغم هذا التأييد الجارف والفوز الساحق المتوقع بنسبة تلامس الـ 70% من أصوات المقترعين، فإن الأمر لا يخلو من انتقادات ومعارضة.

ويقول معارضون لبوتين إن متابعة الانتخابات الروسية قد تمنح المرء انطباعا بأن الخطاب المناهض للأميركيين هو طريقة لإسكات النقاش حول الخيارات السياسية الروسية. ففي البدء، لا يسع أي كان إطلاق التساؤلات حول موضوع عدم تمكن النظام السياسي الروسي من إطلاق أي قادة جدد. وعلى الرغم من كل ما يقال، يبقى الاقتصاد الروسي معتمدا على صادرات النفط والغاز ومواد خام أخرى، وهو أمر لا يحفز التقدم التكنولوجي. كما أن الاستفراد بالسلطة الراهن لا يشجع على المشاركة وعلى إضفاء طابع ديموقراطي، في حين أن الرقابة الإعلامية لا تشجع التقويم الشفاف للدعاية الحكومية، ناهيك عن أن البيروقراطية الروسية نمت إلى حد كبير لتتعدى بحجمها البيروقراطية السوفيياتية، وأنه في أعقاب فترة انتقالية مستمرة من 25 عاما، لابد لروسيا أن تضفي طابعا ديموقراطيا على نظامها القضائي وأن تعمل على إصلاحه.

ختاما، فإذا كان المثل الأميركي يقول ان «السياسة كلها محلية»، إلا أن الانتخابات الروسية للعام 2018 تشير على ما يبدو إلى العكس تماما، وتؤكد أن الانتخابات في روسيا هي مسألة جيوسياسية بالكامل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق