رفع رأسه إلى الأعلى ضاحكاً عندما سألناه عن عمره، ونحن نقترب من عام 2019. أجاب: 99 سنة بالتمام والكمال، «خوش رقم»، قد يصلح للوحة سيارة متميزة!
جلس في ديوانه العامر بمنطقة اليرموك، بعد أن أمسكت بيديه ممرضته، التي تحرص على راحته حيثما يتحرّك في منزله.
وكعادته، التي يستقبل فيها ضيوفه، يتناول علبة من الشيكولاتة، أو نسخة من القرآن الكريم، يقدمها لهم؛ تكريماً، وهذا ما فعله مع الزميل محمود حربي، الذي تربطه علاقة خاصة به.
كانت الجلسة عفوية، وتحت عنوان واحد، استوحيناه من المقال الذي كتبته الزملة فتحية الحداد في القبس عن التقاويم، التي أصدرها والمحتوى الذي تضمنته، بدءاً من أول رزنامة عام 1936 وإلى اليوم، حيث خرجت أول دفعة بحدود 1000 رزنامة، ووصلت إلى 30 ألفاً.
والإبحار في ذاكرة العم العجيري أشبه بالغوص في كنوز المعرفة؛ فالرجل يحمل إرثاً فلكياً بالاسماء والتواريخ، ما زالت حاضرة في الذهن، عندما يجري استدعاؤها.
ما حكايته مع التقاويم؟ متى بدأت؟ وكيف؟
بعد أن ذهب الزميل المصوِّر مصطفى نجم إلى متحفه الخاص، الذي يضم التليسكوبات وأدوات الفلك القديمة والحديثة وبعض خرائط الطقس، ليلتقط مجموعة صور للتقاويم القديمة، التي يحتفظ بها، ورتبها على أرفف متراصّة، بعضها فوق بعض، قال:
«كان ذلك عام 1936، عندما اطلعت على كتاب «دليل المحتار في علم البحار»، لأحد ربابنة البحر، وهو المرحوم عيسى القطامي، وبه جدول الشهور القمرية، كما وقع في يدي كتاب تقويم العيوني للشيخ عبدالعزيز العيوني من الاحساء، وبه معلومات عن الأبراج والأيام والشهور ومواقيت الصلاة، كما كان المرحوم عبدالرحمن الحجي يدرّسني بعض المعلومات الفلكية».
دور مساعد الصالح
وأضاف: في عام 1937 كان والدي يضع رزنامة على الحائط في الصف، وينزع منها ورقة كل يوم، فقمت بتقليدها باليد وأخذني والدي ومع الرزنامة إلى المرحوم مساعد الصالح فأعجب بها، وبدوره أوصلني إلى المرحوم عبدالعزيز المطوع، وكان له مكتب تجاري في بغداد. بلغت التكلفة في حينه 20 ديناراً عراقياً، وكانت الكويت تستخدم الروبية الهندية، ساهم فيها مساعد الصالح بـ5 دنانير، وعبدالعزيز المطوع بـ5 دنانير، ودائرة المعارف بـ5 دنانير، لكننا عجزنا عن تدبير الخمسة الأخيرة لطباعتها، ولذلك لم ترَ النور.
يذكر هنا أن المرتب الذي يتقاضاه والده، والذي يعمل في البلدية يساوي ديناراً ونصف الدينار العراقي.
منع الطباعة
توقف قليلاً عن الحديث المسجل، ليودع الزميل ذعار الرشيدي، وصديقه الذي جاء لزيارته للاطمئنان عليه، ثم أتبع ذلك بتكملة قصته مع الرزنامات، ليضيف انه أنجز رزنامة سنوية بــ 12 ورقة، وأرسلها إلى بغداد لطباعتها لدى مطبعة السريان، والتي يملكها يهودي عراقي، اشترطوا لطباعتها أن تكون على ورق ملون ورخيص، إلا أن وزارة التموين منعت تصدير الورق الأبيض لاستخدامه في طباعة الكتب والصحف. ومع قيام الحرب العالمية الثانية، أقدمت الحكومة العراقية على منع الأعمال الطباعية، وتم حجز الرزنامة في بغداد، ولم يفرج عنها إلا بعد طلبه من أصدقاء له مساعدته بنقل الرزنامة إلى البصرة في عملية تشبه التهريب، إلى أن جاءه أحد سواق سيارات الأجرة، واشترط عليه أن يحصل على «بقشيش»، وحدد له مبلغ 100 روبية مقابل إحضاره «الألف نسخة» وإيصالها إلى الكويت. وبالفعل، ذهب إلى مطبعة ساسون في البصرة، وطلب «الأمانة» من دون أن يتحدث عن الرزنامات، ولكي ينهي مهمته بسلام اضطر الى دفع إكراميات حتى اكتملت المهمة.
التنقل بين العواصم
بقيت بغداد مقصداً للطباعة، تصادف في عام 1946 افتتاح مكتبة الخليج للأديبين عبدالله زكريا الأنصاري وأحمد السقاف، فبادر العم العجيري بتقديم الرزنامة السنوية لهما، ليتم إرسالها إلى العراق وطباعتها هناك.
جاءت مرحلة الخمسينات لتحتل القاهرة مكان بغداد في الطباعة، حيث أرسل عام 1952 تقويماً جديداً بمساعدة الأستاذ عبدالعزيز حسين، وكان مسؤولاً عن «بيت الكويت» في مصر، حيث قام بتكليف مطبعة الشمرلي المشهورة في ذلك الوقت، ومن ثم شحنها إلى الكويت.
حدثت إضافات على التقاويم في ما بعد، من ناحية: وضع مواقيت الصلاة، التاريخ الشرقي، وحسابات أهل البحر، وأوقات المد والجزر ومعدل درجات الحرارة والأنواء الجوية، والأبراج.
المشوار
قبل أن ينتهي اللقاء، كان السؤال عن خليفةٍ، ومن سيُكمل المشوار من بعده بعد عمر طويل؟ أجاب: «حفيدي النابه يوسف جمال العجيري»، وهو بالمناسبة خريج اميركا، اضافة الى انه «تلميذه النجيب».
اما التقويم المقبل لعام 2019 فسيحمل اسم والد يوسف، وهو ابن صالح العجيري، وذلك للمرة الأولى.
إهداء إلى سمو الأمير
أثناء حديثه عن الرزنامات التاريخية، أوضح أنه سيقوم بإهداء رزنامة، عمرها 70 عاماً لسمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، والتي طبعت عام 1947 بتشجيع ودعم من الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر، وقد وضعها في كادر خاص.
اعتماد التقويم في معاملات الدولة
بناءً على قرار من مجلس الوزراء، رقم 363 الصادر عام 2006 جرى اعتماد تقويم العجيري للتاريخين الهجري والميلادي في جميع المعاملات والدوائر الحكومية، والقرار صدر بإمضاء عبداللطيف الروضان الأمين العام لمجلس الوزراء.
شكوى الرويح
استدعاه والده يوماً بعد أن تقدّم صاحب المكتبة الوطنية احمد الرويح بشكوى ضد العم صالح، لتسبّبه في خسارة الرزنامات التي كان يجلبها الرويح من مصر، جرت تسوية الشكوى في ديوانية ياسين الغربللي.
أنواع التقاويم
عدد أنواع التقاويم المتداولة في الكويت، منها: الرقدان والصانع، اما تقاويم العجيري فتتنوّع بين تقويم الحائط والمكتب، ومفكرة الجيب، والأجندة.
الطباعة
تنقّلت طباعة التقاويم بين بغداد والقاهرة ودمشق وحلب وبيروت وباكستان، ونابلس، التي تعاون مع مطابعها قبل النكبة عام 1948.
