خارجية

«لوفيغارو»: الحوار بين الكوريتين ليس جديداً

بدأت الثلاثاء الماضي مباحثات بين الكوريتين في مدينة بانمونجوم بالقرب من منطقة ترسيم الحدود، التي تفصل بين الكوريتين، لكن هذا اللقاء بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية ليس الاول من نوعه، ويدخل ضمن تاريخ طويل للحوار بين الكوريتين، غالبا ما تميز بالحركية. فقبل شهر واحد من موعد الالعاب الاولمبية الشتوية ولأول مرة منذ عامين، التقى مسؤولون كبار من الدولتين بهدف التباحث حول الظروف التي ستنظم فيها الالعاب الاولمبية التي يمكن ان يشارك فيها رياضيون كوريون شماليون وتقول جولييت ماريوت مؤلفة كتاب «مئة سؤال عن كوريا الشمالية» «نحن نبالغ كثيرا في تقدير جدّة هذا الحوار، الذي يعتبر قديما وإن تم تعليقه ولا يتعلق فقط بالملف النووي».
وفيما يلي أبرز ما ميز العلاقات بين الكوريتين، والتي عرفت تطورا ملحوظا في نهاية 1990 قبل ان تتدهور تدريجيا في 2006، العام الذي بدأت فيه بيونغ يانغ تجاربها النووية.

متى بدأ الحوار بين الكوريتين؟
كان يجب انتظار قرابة عشرين عاما بعد نهاية حرب كوريا (1950 – 1953) حتى تجلس بيونغ يانغ وسيئول الى طاولة الحوار. ففي الرابع من يوليو 1972 أصدر قائدا البلدين بيانا مشتركا بهدف توحيد شبه الجزيرة الكورية سلميا ويقول أنطوان بونداز الباحث في مؤسسة البحث الاستراتيجي «علينا ان نأخذ بعين الاعتبار سياق الحرب الباردة، فالدولتان قررتا التعاون بعد ان شعرتا بان القوتين اللتين تحميانهما يمكن ان تنساهما ويتعلق الامر بكل من الولايات المتحدة من جهة والاتحاد السوفيتي والصين من جهة أخرى».
غير أن الحرب الباردة منعت تقدم الحوار بين الكوريتين بسبب استفزازات بيونغ يانغ، لتنقطع الاتصالات بين العاصمتين لأول مرة في 1976 بعد «حادثة شجرة الحور»، التي قتل خلالها جنود كوريون شماليون ضابطين أميركيين، كانا مكلفين بقطع شجرة الحور في قرية بانمانجوم، ذلك انها كانت تحجب الرؤية عن فريق مراقبة تابع للامم المتحدة. وفي 1982 قتل نائب الوزير الاول ووزير الخارجية الكوري الجنوبي في اعتداء وقع في رانغون وحدث اعتداء اخر في 1987 استهدف طائرة كورية جنوبية، ما أدى إلى مقتل 115 شخصاً. سياسة شعاع الشمس (من 1998 إلى 2008)
في نهاية تسعينيات القرن الماضي، عرف الحوار بين الكوريتين تقدما ملحوظا.فبعد أن وصل المعسكر التقدمي للحكم في سيئول في عام 1998، أطلق هذا الأخير سياسة شعاع الشمس التي تجسدت بعقد قمة رئاسية غير مسبوقة بين رئيسي البلدين في 15 يونيو 2000.ويومها اعلن كيم جونغ إيل، الكوري الشمالي، وكيم دي جونغ، الجنوبي، العمل معا لتوحيد شبه الجزيرة الكورية. ووفق انطوان بونداز، فإن هذه الاستراتيجية كانت تهدف إلى الحد من التهديدات المتبادلة والتأثير على سلوك كوريا الشمالية حتى تعزز أمن كوريا الجنوبية.
وتمثل هذه السياسة في الواقع بداية تعاون اقتصادي وثقافي بين البلدين، واقيمت بموجبها شبكة سكك حديدية بين البلدية والمنطقة الصناعية بين الكوريتين، الواقعة في كيسونغ في الشمال، علاوة على المنطقة السياحية في جبال كامغونغ والمفتوحة للكوريين الجنوبيين، كما شهد البلدان تنظيم عدة لقاءات بين العائلات التي فرقتها الحدود، حيث يعد هذا الموضوع من المواضيع الاكثر جدلية في الحوار بين الكوريتين.

غيوم سوداء ابتداء من 2008
فشلت سياسة «شعاع الشمس»، ففي عام 2006 نفذت بيونغ يانغ أول تجربة نووية لها، فيما وصل المحافظون الى سدة الحكم في الجنوب في 2008، بعد بضعة شهور فقط من ثاني قمة بين رئيسي الكوريتين، وما أن تم تنصيب الرئيس الكوري الجنوبي الجديد لي ميونغ باك، حتى اعلن ان اولوية سياسته الخارجية هي نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية.ويقول الباحث انطوان بونداز، ان كوريا الجنوبية اشترطت بدء اي حوار مع نظيرتها الشمالية مقابل تفكيك برنامجها النووي.
ربط الحوار بين الكوريتين بالملف النووي، استمر الى اليوم، فيما انهارت المبادلات الاقتصادية وحتى الاتصالات السياسية بين البلدين. وفي 2008، أغلقت كوريا الشمالية رسميا حدودها علاوة على المنطقة السياحية التي تقع بين الكوريتين والخط الهاتفي بين الحكومتين، الذي كان قد فتح في 1972.
وتفاقم الوضع بعد غرق سفينة حربية كورية جنوبية، فجرتها غواصة كورية شمالية في 2010، ثم تفجير الجزيرة الكورية الجنوبية شونغ بيونغ. في تلك الفترة، أعلن الجنوب فرض عقوبات على الشمال وقلصت كوريا الجنوبية بموجب هذه العقوبات التبادل التجاري لتبقيه على مستوى المنطقة الصناعية كيسونغ، غير ان هذه المنطقة التي تعد رمز العلاقات ما بين الكوريتين، أغلقت نهائيا في فبراير 2016 بعد عدة تجارب نووية وبالستية نفذتها الجارة الشمالية.

هل تعود سياسة «شعاع الشمس»؟
إن لم تمنع السياسة التقدمية «شعاع الشمس» كوريا الشمالية من تنفيذ أول تجربة ذرية في 2006، فإن السياسة المحافظة التي انتهجتها كوريا الجنوبية لم تسمح بوضع حد لبرنامج بيونغ يانغ النووي الذي يعرف تسارعاً كبيراً، وعلى الخصوص منذ وصول كيم جونغ أون للحكم في 2012 بعد وفاة والده في نهاية 2011.
وخلال انتخابات الرئاسة المبكرة التي شهدتها كوريا الجنوبية في 2017، عاد التقدميون بقوة إلى السلطة، وإن كان الرئيس مون جاي إن قد أعلن خلال الحملة الانتخابية رغبته بزيارة بيونغ يانغ، وإعادة فتح المنطقة الصناعية كيسونغ، والاعتراض على نشر درع الصواريخ الأميركية في شبه الجزيرة، إلا أنه عاد عن طموحاته بسبب حدة الأزمة النووية، ليدافع هذه المرة عن فكرة فرض عقوبات وعن الحوار أيضاً. ووفق أنطوان بونداز، فإن على الرئيس أن يكيف سياسته مع ثلاثة أهداف أساسية، وهي «طمأنة سيئول، وإقناع واشنطن، وردع بيونغ يانغ».

هل يدفع الحوار إلى مفاوضات حول الملف النووي؟
تقول جوليت ماريوت المختصة في الشأن الكوري الشمالي إن محاولة الحوار، التي بدأت الثلاثاء الماضي بين الكوريتين، لا يجب أن تدفعنا إلى المبالغة في تقديرها. وتضيف «منذ 1972، تعتبر الكوريتان أن الحوار بينهما ينبغي أن يتم من دون تدخل أجنبي، غير أن بيونغ يانغ تعتبر أن كوريا الجنوبية هي دمية بيد الولايات المتحدة. لذلك، ترفض بحث الملف النووي مع سيئول».
وتعتبر الباحثة أن كوريا الشمالية لن تنزع أبداً السلاح النووي، ذلك أن القنبلة النووية أصبحت جزءاً أساسياً من هويتها. وتضيف «هناك مفارقة في العلاقة بين الكوريتين، ذلك أنها علاقة حب وكراهية في الوقت ذاته. وإن كان الجنوبيون في حاجة إلى الولايات المتحدة لضمان أمنهم، فإنهم يتقاسمون الشعور بالندم مع الشماليين، لأنهم لم يكونوا يوماً سادة قراراتهم. وبقراره الحوار مع سيئول، يلعب كيم جونغ أون حول هذه العلاقة الغامضة ليزعج واشنطن والمجموعة الدولية».
ووفق أنطوان بونداز، فإن عودة الحوار بين الكوريتين يمكن أن تمهد الطريق لحوار عميق مع واشنطن. ويذكر الباحث أن الرئيس مون جاي إن اقترح في 2007 مخططاً من ثلاث نقاط رفضته بيونغ يانغ حينها، ويقوم في البداية على جمع العائلات المقسومة بين الحدود، ثم تنظيم الألعاب الأولمبية في فبراير، وأخيراًَ عقد اجتماع عسكري في يوليو لتهدئة الوضع في المنطقة الحدودية. ووفق الباحث ذاته، فإن من مصلحة بيونغ يانغ تنظيم الألعاب الأولمبية، وبالنسبة للباقي سنرى، ولكن الدرس الأهم في هذه الأشهر الأخيرة هو أن كيم جونغ أون حدد الأجندة وهو من صنع الحدث، بينما لم يكن دونالد ترامب ومون جي إن يقومان إلا بالرد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق