صحيةمحليات

«الخطأ الطبي».. مرض «الصحة» المزمن

رغم الجهود التي تبذلها وزارة الصحة في أكثر من قطاع، لخدمة المرضى والمراجعين في مرافقها، وتطوير مستوى الخدمات والرعاية الصحية المقدمة لأي مريض بمستشفياتها، فإن ذلك لم يحدّ من ظاهرة حدوث الأخطاء الطبية التي تكون عواقبها وخيمة، حيث شهدت الفترة السابقة وقوع أكثر من حادثة وفاة في المرافق الصحية، وانتهت بتشكيل لجان تحقيق.
ولعل حادثتَي وفاة الطفلتين هاجر المطيري في مستشفى العدان مطلع أبريل الماضي، ودرة الحرز في أحد المراكز الصحية خلال سبتمبر، دليلاً واضحاً على وقوع مثل هذه الأخطاء التي تتسبب بفقدان الأسر لأحد أفرادها، في حين تلجأ «الصحة» فور حدوث الوفيات الناجمة عن شبهة إهمال طبي إلى تشكيل لجنة طبية، للتحقيق في الحيثيات تمهيداً للإعلان عن نتائجها وتوصياتها.

كما هو معروف، فإن الأخطاء الطبية تقع في جميع دول العالم ولا تقتصر على دولة دون أخرى، الا ان تكرارها هو ما يلفت الانتباه، في حين تتفاوت محاسبة الطبيب او الممرض المخطئ في أي مرفق صحي، بعقوبات تتدرج من وقف عن العمل لمدة محددة، وخصم من راتبه وشطبه من الأطباء المعتمدين لدى وزارات الصحة.
وقد تصل غرامة هذه الأخطاء إلى مبالغ ضخمة، فضلاً عن وضع اسم الطبيب المدان في قائمة «منع من السفر»، دون الاكتراث إلى صغر أو ضخامة الخطأ الطبي، ذلك أن الاعتراف بوقوعه يتوجب توقيع العقوبات المستحقة على المتسبب فوراً، لضمان سلامة وصحة المرضى، وفي ظل غياب قانون تأمين الأطباء ضد الأخطاء الطبية.

شكوى وتحقيق
وبحسب تصريحات لمسؤولين قبل أشهر، فقد أوضحوا أن إدارة الطب الشرعي في الإدارة العامة للأدلة الجنائية تنظر نحو 450 قضية خطأ طبي شهرياً، كما أن معدل تلك القضايا ارتفع %900 خلال 13 عاماً، في حين لم يحصل بعض المرضى على النتيجة التي كانوا يتوقعونها عند تقدمهم بشكوى ضد أي طبيب بالمرافق الصحية.
فوزارة الصحة عادة ما تطلب من الطبيب المشكو بحقه إعداد تقرير فني عن الواقعة، كما يجرى تحقيق داخلي في المستشفى، او يتم تحويل التحقيق الى الوزارة، فيما قد يلجأ المريض مباشرة إلى المخفر.
وفي سياق متصل، طالب رئيس الجمعية الطبية د.احمد العنزي، قبل فترة، وزارة الصحة باتباع الشفافية والدقة في لجان التحقيق في أي حادثة ذات أثر كبير، للوقوف على مصدر الخطأ ومحاسبة المقصرين، والتأكد من عدم تكرار هذا الخطأ.
وأوضح العنزي أن آخر احصائيات لمنظمة الصحة العالمية تشير إلى أن واحداً من بين كل 10 من المرضى يتأذى بسبب الأخطاء الطبية، مؤكدا أنها تشير ايضا الى 43 مليون خطأ طبي يحدث سنويا على مستوى العالم، كلفتها عالميا تقدر بـ 42 مليون دولار سنويا.
في حين يشير أطباء الى ان النظام الصحي يعد من الانظمة المعقدة، التي قد يتعرض فيها متلقي الخدمة للأخطاء والأخطار الطبية اثناء العمل، وذلك نتيجة تفاوت الممارسات الطبية بالتخصصات المختلفة، فضلا عن التطورات المستحدثة السريعة على صعيد الادوية والمعدات الطبية، التي عادة ما تستلزم وجود انظمة صحية مساندة، إضافة الى ضرورة تعلم خبرات ومهارات جديدة من قبل مقدمي الخدمة.

حماية الأطباء
كما اضطر الكثير من الأطباء الى دفع مبالغ مالية طائلة بخصوص الأخطاء الطبية، وعدم وجود آلية تنظم هذا الموضوع، علاوة على عدم وجود قانون يحمي الأطباء والمرضى وينظم العلاقة، وبالتالي يوفر أجواء آمنة للعمل والإنتاج، ومن ثم يحسن الخدمة الصحية لمتلقيها.

ويرى رئيس وحدة طوارئ الاطفال في مستشفى العدان د.مرزوق العازمي، أن هناك فرقا كبيرا بين الاخطاء الطبية التي يتعرض لها المريض، والمضاعفات الطبية التي قد تقع اثناء تلقيه العلاج، موضحا ان الاخطاء موجودة على مستوى العالم، في حين لا توجد اي احصائيات دقيقة حديثة عن معدلاتها محليا.
واضاف العازمي لــ القبس ان الاطباء يعانون من غياب قانون تأمين الاطباء ضد الاخطاء الطبية، الذي تطرق له اكثر من مسؤول طبي وجهة، حيث لا يزال قرار مجلس الوزراء الصادر بهذا الجانب في 1989 حبيس الأدراج، ووجود هذا القانون ضروري لتنظيمه العلاقة بين المراجع والطبيب والمؤسسة الطبية.
واشار العازمي الى حقوق للمرضى واجب توفيرها له في المرافق الصحية، كالتشخيص والعلاج السليم والتواصل معه من قبل الطواقم الطبية، وابلاغه بآخر تطورات حالته ومرضه، مبينا ان للاطباء ايضا حقوقا واجب توافرها من خلال بلورة قانون تأمينهم من الاخطاء الطبية.
ولفت الى اخطاء طبية واخرى مرفقية، فالطبية تقع نتيجة اهمال شخصي، والمرفقية نتيجة قصور في بعض الاجهزة والادوات والمستلزمات بالمرفق الصحي، وهو ما يحمل وزارة الصحة جزءا من المسؤولية عند وقوع مثل هذه الاخطاء.
وشدد العازمي على ضرورة توفير منظومة صحية متكاملة للتعامل مع الاخطاء الطبية، وتوضيح آخر الارقام والمعدلات، فضلا عن تفعيل دور الجمعية الطبية في اقرار قانون تأمين الاطباء ضد الاخطاء.

غياب التشريعات

بدورها، أكدت الرئيسة السابقة لمكتب الايدز والاحصاءات والمعلومات بوزارة الصحة د. هند الشومر أن قرار الوزارة بفصل إحدى الطبيبات على خلفية وفاة طفلة مؤخرا لا يكفي، موضحة انها أحد الأمثلة للتعامل مع المشاكل بطريقة ردود الأفعال، وعدم الوصول إلى جذور المشكلة، والاكتفاء فقط بالتعامل مع قمة الجليد دون البحث عن الجبل نفسه.
واضافت الشومر إن مسلسل الأخطاء الطبية لن يتوقف عند قرار فصل طبيبة ولكن سيستمر مع أطباء آخرين، ما لم توجد تشريعات وإجراءات قادرة على الحد من المشكلة، وتفادي وقوعها والتعلم منها، فضلا عن تطبيق ما سبقتنا إليه دول العالم من مبادئ وسياسات لسلامة المرضى.
ولفتت الى انها رجحت أن يكون إجراء الوزارة أكبر وأشمل بكثير من التعامل بحالة منفردة، علاوة على انتهاز الوزارة الفرصة، للقيام بمراجعة شاملة ومهنية ومحايدة حول واقع الأخطاء الطبية في مرافقنا الصحية، مضيفة انه من المخجل جدا ألا تكون لدينا إحصاءات دقيقة او يتم حجب الإحصاءات.
وتابعت الشومر أن هناك الكثير من الأمور مازالت عالقة ولم يعالجها فصل الطبيبة من الوزارة، متمنية أن تشهد الأيام المقبلة إجراءات أكثر شمولا وعمقا من مجرد التحقيق والفصل والاحالة للنيابة، مبينة ان من حق المواطن والمقيم أن يعرف بشفافية كاملة، إجراءات وزارة الصحة لمنع أو تقليل حدوث الأخطاء الطبية، سواء كانت أخطاء شخصية أو أخطاء مرفقية مؤسسية،بهدف إعادة الثقة في المرافق الصحية.

لجان تخصصية

من جانبه، أشار رئيس اتحاد أصحاب المهن الطبية الأهلية د.عادل اشكناني الى ان الحديث عن الأخطاء الطبية مبحث قديم متجدد، يتم تداوله في الأوساط العامة أحياناً عند حدوث عارض في المجتمع، كما انه يتحول إلى قضية رأي عام من قبل متداولي الأخبار بشكل غير احترافي يسيء إلى قدسية مهنة الطب.
واوضح اشكناني ان في الوسط الطبي تعريفا محددا لهذا الخطأ ولا يتم إثباته إلا من خلال لجان طبية تخصصية تنظر إلى الأمور من زاوية مهنية بحتة، ويتحدد من خلال ذلك ما إذا كان الطبيب بذل «العناية الحريصة» اللازمة ضمن معيار العناية الفنية المعتمدة، أم أهمل في بذل تلك العناية عن جهل، فالطبيب ليس مسؤولاً عن النتيجة وأي خطأ قد لا يكون بالضرورة ناتجا عنه وحده.
ولفت الى ان المرفق الطبي قد يكون له دور في إهمال المريض باتباع التعليمات أو حتى المضاعفات المصاحبة لأي إجراء، في حال كانت أكبر من قدرة تحمل جسم المريض، بسبب الضعف والوهن أو كبر عمره، مما قد يساهم في تدهور الحالة.

الأخطاء الطبية مصيبة يعانيها المتضررون | أرشيفية
583 ‏قضية منظورة

أوضح وزير الصحة السابق د. جمال الحربي في رده على سؤال برلماني العام الماضي، أن إجمالي قضايا الاخطاء الطبية المرفوعة ضد وزارة الصحة منذ 2016 بلغ 583 ‏قضية، مشيرا الى صدور أحكام لمصلحة الوزارة بعدم ثبوت خطأ طبي في 155 قضية وأحكام ‏ضد الوزارة بثبوت خطأ طبي في 26 قضية، في وقت لا تزال هناك قضايا منظورة أمام القضاء.

تقليل الأخطاء

ذكر عادل أشكناني ان غالبية دول العالم تحاول التخفيف من الأخطاء الطبية، وذلك عن طريق وضع بروتوكولات علاجية محددة واعتماد أنظمة علاجية منظمة ومحددة آمنة، لضمان سلامة المرضى وممارسي المهنة.

تصعيد إعلامي

أعرب اشكناني عن خشيته من التصعيد الإعلامي لأي حدث طبي، وتحول الاطباء إلى «الطب الدفاعي»، وهو ما سيحمي الطبيب ولا يخدم حالة المريض وقد يضره من دون أي مسؤولية على الطبيب، بحيث ان الطبيب لن يسعى الى التعاطي مع الحالات الصعبة أو الحرجة خوفاً من التشهير والمساءلة غير الاحترافية من قبل بعض المسؤولين.

إدارة مستقلة

دعت هند الشومر إلى تحديد إدارة مستقلة في وزارة الصحة، لتلقي واستقبال شكاوى الاخطاء الطبية، والتحقيق فيها بمهنية وشفافية وحيادية، مع حفظ حق الدفاع المشروع للمشكو في حقه، فضلا عن إنشاء كيان آخر مستقل ومحايد لضمان حقوق المرضى وسلامتهم وحمايتهم من الأخطاء، حيث ان وزارة الصحة لا يجب أن تكون الخصم والحكم في الوقت ذاته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شركة تنظيف
إغلاق