مقالات

البحر والأمان.. أوجدا الكويت …. بقلم | د. نوري أحمد الحساوي

اختار المهاجرون الأوائل أرض الكويت؛ هذه البقعة من الجزيرة العربية، والتي لا زرع فيها ولا ماء، والبعيدة عن أماكن العمران التاريخية المحيطة بها في البصرة (شمالاً) والأحساء (جنوباً)، ونجد (غرباً)؛ لسببين: الأول ليوفّر لهم هذا المكان الأمان والطمأنينة بعيداً عن القحط والصراعات المنتشرة في الجزيرة العربية، وغيرها من البلاد المحيطة، حيث كان إقليم الأحساء الواقعة فيه أرض الكويت يهيج بالصراع العثماني ــــ البرتغالي؛ وذلك بسبب احتلاله من قبل البرتغاليين في سنة ١٥٥١م لموقعه الإستراتيجي والاستفادة منه في التجارة بين الشرق والغرب، ولكنهم سرعان ما طُردوا من هذا الإقليم من قِبل العثمانيين، بفضل حملة أرسلها السلطان سليمان القانوني، بعدها قام الخوالد بالاستيلاء على هذا الإقليم، وخلال حكمهم بين عامي ١٦٧٠م و١٧٩٥م حدثت كثير من الحوادث والحروب، جعلت الناس يبحثون عن مكان آمن، ما ساعد على حدوث تغيير ديموغرافي كبير في تلك المنطقة، وكانت أرض الكويت هي المكان الآمن لكثير منهم، حيث الهدوء والسكينة. هناك ـــ بلا شك ـــ هجرات أخرى حدثت من خارج الجزيرة العربية إلى أرض الكويت، ولأسباب مشابهة، إلى حدٍّ ما، عما ذكرناه آنفاً من ظروف سياسية واقتصادية وغيرها، وهذه الهجرات أتت من العراق وفارس خاصة من الضفة الشرقية للخليج العربي المسمّى «بر فارس»، الذي أغلب سكّانه ينحدرون من أصول عربية بحتة، وأغلبهم كان يمتهن الأعمال البحرية؛ فوجدوا ضالتهم في المكان الآمن والمشابه لبيئة عملهم. وأرى ـــ من وجهة نظري الخاصة ـــ أن هؤلاء قد قدموا إلى أرض الكويت واستوطنوها في مرحلة تالية للتجمّع السكاني الأول، وهذا يتماشى مع طبيعة الأشياء والواقع المنطقي، حيث إن سكان الإقليم تكون فرصتهم للتواجد في مكانٍ ما في الإقليم نفسه أقرب وأسهل للحدوث. السبب الثاني لاختيار الأوائل من المهاجرين أرض الكويت ــــ وهو لا يقل أهمية عن الأول ــــ هو أن هذا المكان يشكّل ميناءً طبيعيّاً لرسوّ السفن، وهو يعد من أفضل الموانئ الطبيعية التي حباها الله بالجون المميز، الذي يساعد على رسوّ السفن فيه بسهولة ويسر. لم يكن اختيار الأوائل المهاجرين هذه الأرض الطيبة بمحض الصدفة، وإنما اختيرت عن معرفة سابقة، قد وصلت لهم بوسيلة او أخرى… فهدوء المكان واستقراره، وأيضاً لكونه بيئة جيدة للمهن البحرية لقرب المكان من البحر، كلها عوامل جذب للأوائل المهاجرين الذين كانوا يمتهنون الأعمال البحرية قبل قدومهم إلى هذه البقعة، ليكوّنوا مجتمعاً بخبرتهم؛ قائماً على الأعمال البحرية من تجارة وغوص على اللؤلؤ وصيد السمك؛ لهذا بدأت الكويت تُبنى من البحر بوجود الميناء القديم الذي تحوّل في ما بعد إلى «فرضة»، وأقام الأوائل بيوتهم على البحر ليكونوا قريبين من سفنهم، ومهنهم البحرية. بعد أن تكوّن تجمّع سكاني قائم على الأعمال البحرية البحتة، بدأت هجرات جديدة تقدم إلى أرض الكويت للعمل في المهن البحرية، خاصة الغوص على اللؤلؤ؛ فمن هؤلاء من يعود إلى موطنه القادم منه، ومنهم من يطيب له المقام ويبقى؛ حتى كبر هذا المجتمع الصغير، وظهرت فيه بعض الحرف الجديدة، وزادت فرص العمل، ما ساعد على ازدياد عدد المهاجرين إليه لتوسّع الكويت غرباً وشرقاً وجنوباً، وتظهر الأسواق، ويبدأ تاريخ جديد للكويت، ولكن يبقى البحر والأمان ــــ في اعتقادي ــــ سببَي وجود الكويت. د. نوري أحمد الحساوي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شركة تنظيف
إغلاق