خارجية
«هآرتس»: محور يميني أدار سياسات واشنطن الشرق أوسطية
من وجهة نظر إسرائيلية، فإن الكشف الأكثر إثارة للاهتمام في كتاب مايكل وولف «النار والغضب»، الذي أثار النار والغليان معاً، هو انفجار من ماضي الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني. فقد نقل وولف عن ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس ترامب، والرجل القوي الذي يقف وراء مشروع القرن لحل الصراع، قوله ان صيغة تتلخص في «إعطاء الضفة الغربية للأردن، وقطاع غزة لمصر. دعهم يتعاملوا مع الوضع أو يغرقوا فيه». فالكشف عن أن البيت الأبيض كان يفكر في صيغة تحرم الشعب الفلسطيني من اقامة دولته ويدعو إلى العودة إلى خيار «الحل الإقليمي» مع الأردن ومصر (وسوريا)، ربما كان شعارا جذابا لصنع السلام في الشرق الأوسط لو كان أقل غموضاً. فقد نُقل عن بانون قوله ان ملياردير الكازينوهات اليهودي الأميركي شيلدون اديلسون ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو «متفقان» على الخطة، ولكن ليس من الواضح تماما ما اذا كان قبولهم المفترض ينطبق فقط على «نقل السفارة الى القدس من اليوم الاول»، أو ما إذا كان يشمل أيضا المخطط الخاص بقطاع غزة والضفة الغربية، الذي يليه. وإذا حكمنا على السياق، فإن الخيار الأخير هو الصحيح.
سواء تم اعداد الخطة ــــ التي لا يرى أي باحث جدي في الشرق الأوسط الحالي، انها واقعية ــــ مسبقا بيّن أديلسون ونتانياهو وبانون أو كانت مجرد غطرسة من قبل اشخاص يجهلون شؤون الشرق الأوسط، فالحل الأردني ـــــ المصري المقترح يسلط الضوء على محور اليمين المتطرف الذي هيمن على سياسات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الشرق أوسطية خلال العام الأول من ولايته. إنه التحالف الذي يبدو أن نتانياهو قد شكله، بمساعدة، أو بتوجيه من ملياردير كازينوهات لاس فيغاس، أديلسون. والثلاثة يعملون في إطار نظرية بانون أنه «كلما توغلت في اليمين، كنت تتبع نهجا أصح لإسرائيل».
اليهودي الأكثر تشدداً
لقد أبدى ترامب اعجابه بأديلسون لكونه «اليهودي الأكثر تشددا من بين المتشددين اليهود»، مثل الذين أعجب بهم وقدرهم خلال سنوات عمله في سوق العقارات في نيويورك، والتي لعب فيها اليهود دورا بارزا. وقد طلب ترامب من صهره كوشنر مرارا وتكرارا «رسم استراتيجية مع أديلسون، الذي كان بالفعل شريكا لبانون». وفقا لوولف، عمل أديلسون بشكل منتظم للانتقاص من قدرات كوشنر ودوافعه»، وقال لترامب إن «الشخص الوحيد الذي يثق به هو بانون». كما تورّط أديلسون في حملة بانون الفاشلة ضد مستشار الأمن القومي اتش. آر. ماكماستر، والتي شملت اتهامه بأنه «متساهل في الدفاع عن إسرائيل». وعندما تضيف إلى هذا المزيج، تقرير وولف أن نتانياهو «سعى لمقابلة بانون»، عندما جاء إلى الولايات المتحدة قبل تنصيب ترامب، يمكن للمرء أن يستنتج وجود تحالف بين هذا الثلاثي اليميني المتطرف (نتانياهو ــــ أديلسون ــــ بانون)، أو ربما أنه هو الذي يُملي سياسات ترامب في الشرق الأوسط، مع دخول كوشنر إلى دائرة صنع القرار في واشنطن.
لقد خلص ترامب إلى استنتاج مفاده أن أسلافه من الرؤساء السابقين، وخاصة باراك أوباما، لم يكونوا يفهمون الشرق الأوسط. وكان استنتاجه أنه ينبغي أن يفعل العكس تماما. وقال ترامب ان هناك اربع قوى في الشرق الاوسط يجب ان تؤخذ في الاعتبار: ايران والسعودية ومصر، واسرائيل. ويمكن توجيه الثلاثة الآخرين لتشكيل تحالف ضد طهران، وما دون ذلك فلا اهمية تُذكر له.
ومن المفترض أن يتضمن ذلك حملة فلسطينية لتقرير المصير، والتي كانت تلقى قبولا على نحو مضاعف، لأنها كانت تحتل موقعا متقدما على جدول أعمال أوباما. وفي هذا السياق، ربما يمكن تقديم خطة للقضاء على القومية الفلسطينية والسعي للاستقلال من خلال اقناع الأردن ومصر بالتفكير في العودة إلى أدوارهما لما قبل عام 1967، على الرغم من أن المدافعين عن ترامب يمكن أن يزعموا ان ذلك يستهدف الضغط على الفلسطينيين لخفض سقف مطالبهم والقبول بما يعرضه عليهم ترامب.
تفسير بديل
وهذا يضع اعتراف ترامب مؤخرا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وتأكيده غير المفهوم أن المدينة لم تعد على طاولة المفاوضات وتهديداته بخنق الفلسطينيين، من خلال قطع المساعدات لــ «الأونروا» والسلطة الفلسطينية، في اطار ينضح بالشرور. فقد اعتبرت صحيفة لوس انجلوس تايمز في افتتاحية لها ان ترامب قد «خنق» خططه لتحقيق «الاتفاق النهائي» بين الاسرائيليين والفلسطينيين، لكن هناك تفسيرا بديلا، وهو أن هذه القرارات تم الإعداد لها مسبقاً. وأن «الصفقة النهائية» لترامب كانت مصممة ليس لتلبية التطلعات الفلسطينية، بل لدفنها. وهذا بالتأكيد هدف يسعد أديلسون ونتانياهو.
كما يعرض الكتاب «اقتراح بانون الغامض حول معاداة السامية»، على حد تعبير وولف. وشملت حملته للتقليل من شأن كوشنر الغمز المتكرر من قناة كوشنر وأمثاله لآرائهم المفترض، لكونها «عالمية وكوزموبوليتانية وليبرالية وتركز على قيم منتدى دافوس». وإذا لم يكن بانون معاديا للسامية بالمفهوم الكلاسيكي، بمعنى الكراهية لكل اليهود لأنهم يهود، فإنه يعبّر عن مشاعر معادية للسامية تجاه اليهود الذين لا يتبنون وجهات نظره المحافظة المتطرّفة.
معاداة السامية
أديلسون، الذي غالبا ما توصف آراؤه بأنها «متطرفة وغريبة»، تلتقي مع آراء بانون في الكراهية لليهود اليساريين والليبراليين، كما هي الحال بالنسبة الى نتانياهو أيضاً. عند محاولة تقييم قرار نتانياهو التراجع عن الاتفاق الذي وقعه مع يهود الولايات المتحدة التقدميين والمتعلق بالصلاة عند حائط البراق، فضلا عن تجاهله إصلاح التمزّق الذي أحدثه معهم، ينبغي للمرء أن يضع في الاعتبار أن وجهة نظره تجاه اليهود الليبراليين في اميركا قد لا تكون مختلفة عن وجهتي نظر أديلسون وبانون.
كان والد ترامب، وفقا لكتاب وولف، معادياً للسامية. وتأثر ترامب بآرائه، ولكن تعلم أن يحترم حيتان العقارات الاقوياء في نيويورك ممن تعاونوا معه أو شكلوا ازعاجا له. ومع ذلك، يبدو أنه يتقاسم مع بانون، الازدراء لقدرات زوج ابنة الرئيس. وفي الواقع، كتب وولف ان تعيين كوشنر كمشرف على جهود السلام في الشرق الأوسط كان مدفوعا بمعاداة السامية. فقد اختاره ترامب ليس فقط، بسبب الروابط العائلية، بل أيضاً، لأنه يهودي. ويبدو انه كان في بال ترامب ان يجعل يهودا يتعاطون مع إسرائيل.
وقد انتقد البيت الأبيض وكبار الجمهوريين الكتاب ووصفوه بأنه «أخبار مزيفة» وممتلئ بالتقارير المضللة والخاطئة. وقد رد ترامب على تشكيك الكتاب في قدراته العقلية، بالتأكيد على أنه «عبقري مستقر». ويصف الكتاب ترامب بأنه مزاجي وسطحي وغير مرغوب فيه، وجاهل بأهم العناصر الأساسية لصنع القرار وبشؤون رئاسته، بما في ذلك الدستور الاميركي نفسه. ومن وجهة النظر هذه، لا يوجد شيء جديد حقا في «النار والغضب»، فهو ــــ ببساطة ــــ يؤكد الصفات التي ينسبها معظم الناس لترامب، باستثناء قاعدة الموالين له.
ولكن في ما يتعلق بمواقف ترامب من إسرائيل والفلسطينيين، فإن التفاصيل المنفصلة في كتاب وولف، تكشف عن صورة مجموعة يمينية متطرفة، ربما أكثر من الليكود الإسرائيلي تقدم الاستشارات، وربما ترسم سياسات ترامب في الشرق الأوسط. ويبقى أن نرى ما إذا كان ذلك عائد لوجود بانون الذي لم يعد في الادارة الآن، أم أنه عنصر أساسي وغير قابل للتغيير من ادارة ترامب. فمن المؤكد ان الخيار الثاني سوف يسعد المتطرفين اليمينيين، ولكن من المرجح أنه سيجعل الأمور أكثر سوءاً بكثير لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين.